فأين النص الكامل لتلك الخطبة؟ ولما ذا لم يرووا مواعظ الرسول وإرشاداته؟ وإذا كان قد أخبر بكلّ شيء يكون إلى يوم الساعة ، فما الذي حملهم على إخفائه عن الأمة؟
إن الذي منعهم من نقل خطبة النبي كاملة هو نفس ما منعهم من أن يقرّبوا إليه دواة وقرطاسا ، ليكتب للامة كتابا لن يضلّوا بعده! وإن الذي حملهم على كتم خطبة النبي هذه هو ما حملهم على كتم كثير من الحقائق!! لقد كان غرض القوم أن يحرموا الأمة من هدي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وتعاليمه وإرشاداته ، فضلا عن أن يكونوا دعاة إليها وناشرين لها ، ذلك لأنهم لم يكونوا معتقدين بها حقا ، إذ لم يدخل الإيمان في قلوبهم ، ولأنهم كانوا يعلمون بأنهم إذا بلّغوا تعاليم النبي إلى الأمة كما هي ، لجرت الأمور في مجاريها ، وهذا يعني أن لا يكون لهم أي موقع في المجتمع الإسلامي فضلا عن الرئاسة والحكم.
لكنّ الإمام الباقر محمد بن علي بن الحسين بن أبي طالب عليهم الصلاة والسلام يحدثنا بواقعة غدير خم ، وينقل إلينا ما قاله النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ في ذلك اليوم ، فيقول : « حجّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ من المدينة ، وقد بلغ جميع الشرائع قومه غير الحج والولاية ، فأتاه جبرئيل عليهالسلام فقال له : يا محمد ، إنّ الله جلّ اسمه يقرؤك السلام ويقول لك : إنّي لم أقبض نبيّا من أنبيائي ولا رسولا من رسلي إلاّ بعد إكمال ديني وتأكيد حجتي ، وقد بقي عليك من ذاك فريضتان مما تحتاج أن تبلّغهما قومك : فريضة الحج ، وفريضة الولاية والخلافة من بعدك ، فإني لم أخل أرضي من حجة ولن أخلّيها أبدا ، فإن الله جل ثناؤه يأمرك أن تبلّغ قومك الحج وتحج ، ويحج معك من استطاع إليه سبيلا من أهل الحضر والأطراف والأعراب ، وتعلّمهم من معالم حجّهم مثل ما علّمتهم من صلاتهم وزكاتهم وصيامهم ، وتوقفهم من ذلك على مثال الذي أوقفتهم عليه من جميع ما بلغتهم