فمرّة : يصوّب كلام أحمد بن حنبل في الكرابيسي ولا يستعظم تكفيره إيّاه ...
وأخرى : يؤيّد الكرابيسي ويحاول توجيه طعن الامام أحمد وتكفيره له ، فيقول : « ولا ريب أن ما ابتدعه الكرابيسي وحرّره في مسألة اللفظ وأنه مخلوق هو حق ، لكن أباه الامام أحمد ، لئلاّ يتذرّع به إلى القول بخلق القرآن ، فسدّ الباب ، لأنّك لا تقدر أن تفرز المتلفّظ من الملفوظ الذي هو كلام الله تعالى إلاّ في ذهنك » (١).
ولكن هذا العذر لا يكفي لتصحيح تكفير الرجل ... لا سيّما وأن الكرابيسي كان قد أوضح مقالته وحرر مرامه ... على أن المفهوم من كلام الذهبي هو أنّ الامام أحمد كان يوافق الكرابيسي في هذا الاعتقاد ويصوّبه ، فهل يجوز دفع الباطل بإبطال الحق وإنكاره؟ ولو كانت الغاية في الواقع ما ذكره الذهبي ، فلتجز التقية ومجاملة أهل الباطل مطلقا ...
ومرّة ثالثة : يجوّز احتمالين في كلام الكرابيسي ، فيؤيّده على معنى ويحمل إنكار الامام أحمد على المعنى الآخر ، فيقول : « وكان يقول : القرآن كلام الله غير مخلوق ولفظي به مخلوق ، فإن عنى التلفظ ، فهذا جيّد ، فإنّ أفعالنا مخلوقة. وإن قصد الملفوظ وأنه مخلوق ، فهذا الذي أنكره الامام أحمد والسلف ، وعدوه تجهّما ، ومقت الناس حسينا لكونه تكلّم في أحمد ».
وهذا ينافي ما تقدم من أنه « لا ريب أن ما ابتدعه الكرابيسي ... هو حقّ ، لكن أباه الامام أحمد لئلاّ ... ».
ثم لو سلّمنا تحمّل كلامه للاحتمالين ، فما وجه تكفير الامام أحمد إيّاه ، وحمله كلامه على المحمل الباطل فحسب؟!
وعلى أي حال فلا جدوى لاعتذار الذهبي ، لوجود التنافي البيّن والتناقض
__________________
(١) سير أعلام النبلاء ١٢ / ٧٩.