هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي ، وهو وليّكم من بعد الله ورسوله ، وقد أنزل الله تبارك وتعالى عليّ بذلك آية من كتابه : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) وعلي بن أبي طالب أقام الصلاة وآتى الزكاة وهو راكع ، يريد الله عز وجل في كل حال.
وسألت جبرئيل أن يستعفي لي عن تبليغ ذلك إليكم ـ أيها الناس ـ لعلمي بقلّة المتقين وكثرة المنافقين ، وإدغال الآثمين ، وختل المستهزئين بالإسلام ، الذين وصفهم الله في كتابه بأنهم ( يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ) ويحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ، وكثرة أذاهم لي في غير مرة حتى سمّوني أذنا ، وزعموا أني كذلك لكثرة ملازمته إياي وإقبالي عليه ، حتى أنزل الله عز وجل في ذلك قرآنا : ( وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ ) ـ على الذين يزعمون أنه أذن ـ ( خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ) الآية.
ولو شئت أن أسمي بأسمائهم لسميّت ، وأن أومي إليهم بأعيانهم لأومأت ، وأن أدل عليهم لدللت ، ولكني والله في أمورهم قد تكرّمت ، وكل ذلك لا يرضي الله مني إلاّ أن أبلغ ما أنزل إليّ ، ثم تلى صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) ـ في علي ـ ( وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ).
فاعلموا يا معاشر الناس : إن الله قد نصبه لكم وليا ، وإماما مفترضا طاعته على المهاجرين والأنصار وعلى التابعين لهم بإحسان ، وعلى البادي والحاضر وعلى الأعجمي والعربي ، والحر والمملوك ، والصغير والكبير ، وعلى الأبيض والأسود ، وعلى كلّ موحّد ، ماض حكمه ، جائز قوله ، نافذ أمره ، ملعون من خالفه ، مرحوم من تبعه ، مؤمن من صدّقه ، فقد غفر الله له ولمن سمع منه وأطاع له.
( معاشر الناس ) إنه آخر مقام أقومه في هذا المشهد ، فاسمعوا وأطيعوا وانقادوا لأمر ربكم ، فإن الله عز وجل هو مولاكم وإلهكم ، ثم من دونه محمد وليكم القائم المخاطب لكم ، ثم من بعدي علي وليكم وإمامكم بأمر ربكم ، ثم