وبعد ... فقد وجدنا الرازي نفسه يطعن في حديث اتفق الشيخان البخاري ومسلم على إخراجه ... إنه يقول في تفسيره ما نصه :
« واعلم أن بعض الحشوية روى عن النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ إنه قال : ما كذب إبراهيم إلاّ ثلاث كذبات. فقلت : الأولى أن لا تقبل مثل هذه الأخبار ، فقال ـ على سبيل الاستنكار ـ : إن لم نقبله لزمنا تكذيب الرواة. فقلت له : يا مسكين! إن قبلناه لزمنا الحكم بتكذيب إبراهيم ـ عليهالسلام ـ وإن رددناه لزمنا الحكم بتكذيب الرواة ، ولا شك أن صون إبراهيم عن الكذب أولى من صون طائفة من المجاهيل عن الكذب » (١).
__________________
(١) قال الرازي بتفسير ( قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ ) في ذكر الأقوال في معانيه : « القول الثاني ـ وهو قول طائفة من أهل الحكايات ـ : إن ذلك كذب واحتجوا بما روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ـ أنه قال : لم يكذب إبراهيم إلاّ ثلاث كذبات ، كلّها في ذات الله تعالى ، قوله : ( إِنِّي سَقِيمٌ ) وقوله : ( بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا ). وقوله لسارة : « هي أختي ». وفي خبر آخر : إن أهل الموقف إذا سألوا إبراهيم الشفاعة ، قال : إني كذبت ثلاث كذبات ...
واعلم أن هذا القول مرغوب عنه ، أما الخبر الأول ـ وهو الذي رووه ـ فلان يضاف الكذب إلى رواته أولى من أن يضاف إلى الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ. [ ثم قال بعد تأويل كلمات إبراهيم ـ عليهالسلام ـ في هذه المواضع : ] وإذا أمكن حمل الكلام على ظاهره من غير نسبة الكذب