... وذلك لأن العلماء كثيرا ما يستندون إلى أشعار الكفّار ، وفي المسائل الطبية ـ مثلا ـ إلى أقوال الطبيب الملحد ، ولا يرون في ذلك بأسا أبدا ...
وقد تعرّض لهذه المسألة علماء الدراية وعلم الحديث في كتبهم التي وضعوها في هذا العلم ، قال الحافظ جلال الدين السيوطي :
« قال عز الدين بن عبد السلام في جواب سؤال كتبه اليه أبو محمد بن عبد الحميد : وأما الاعتماد على كتب الفقه الصحيحة الموثوق بها فقد اتفق العلماء في هذا العصر على جواز الاعتماد عليها والاسناد إليها ، لأنّ الثقة قد حصلت بها كما تحصل بالرواية ، ولذلك اعتمد الناس على الكتب المشهورة في النحو واللغة والطب وسائر العلوم ، لحصول الثقة بها وبعد التدليس ، ومن زعم [ اعتقد ] أن الناس قد اتفقوا على الخطأ في ذلك فهو أولى بالخطإ منهم ، ولو لا جواز الاعتماد على ذلك لتعطّل كثير من المصالح المتعلّقة بها.
وقد رجع الشارع الى قول الأطباء في صور ، وليست كتبهم مأخوذة في الأصل إلاّ عن قول الكفار [ قوم كفار ] ولكن لمّا بعد التدليس فيها اعتمد عليها ، كما اعتمد في اللغة على أشعار العرب وهم كفار ، لبعد التدليس » (١).
هذا ، وأما مدح الكفار والمشركين والخوارج بصفات كانوا يتصفون بها فكثير في الصحاح وكتب الحديث والتواريخ وغيرها.
وبهذا نكتفي في رد دفاع الفاضل رشيد الدين الدهلوي عن الجاحظ.
__________________
(١) تدريب الراوي ـ شرح تقريب النواوي ١ / ١٥٢.