وقد سبق الإسلام إلى تبنّي فحوى هذه النظريّة وأكّد عليها انطلاقا من الواقع التكاملي الذي قامت عليه تشريعاته الخالدة (١) ، والقائم على أسس من إحداث نوع من التوازن بين حقوق الأفراد وحقوق الجماعات.
فالحرّيات التي يمنحها الشارع للفرد يلحظ فيها دائما ألّا تطغى على حساب الجانب الآخر ، وإنّما تحدّ بحدود تمنع من استغلالها من قبله استغلالا يضرّ بالآخرين أفرادا أو جماعات.
وهكذا بالنسبة إلى حقوق الجماعات ، فالفرد له شخصيته ، وللجماعة شخصيتها ، وهما معا يشكّلان كلّا متفاعلا يسعى نحو تحقيق هدف واحد ، هو إسعاد الجميع في
__________________
١ ـ يذكر الدكتور سعيد أمجد الزهاوي بأنّ «التطبيقات الفقهية لهذا المعيار كثيرة ، وقد صرّح به الفقهاء وبنوا عليه المنع من استعمال الحقّ قضاء ، فإلى جانب إجماعهم على منع قصد الإضرار ديانة ، وتأثيم صاحبه ، لا يخلو مذهب من أحكام في المنع القضائي ، وبناء على توفّر ذلك القصد ، فطبّق الحنفية هذا المعيار على حقّ الملكية ، ومنعوا المالك من استعماله بقصد الإضرار بالغير.
وكذلك طبّقه المالكية على هذا الحقّ ، وقضوا بالمنع القضائي ، وعلى حقّ التقاضي ؛ فمنعوا سماع الدعوى الكيدية ، وقالوا بتأديب مدّعيها.
ومن الشافعية من قال بمنع المالك من الإضرار بالغير إذا ظهر منه قصد الفساد ، وذكر الماوردي فيما إذا فرّق المدّعي دعاواه وأراد أن يحلف في كلّ مجلس منها على بعضها قصدا لإعنات المدّعى عليه وبذلّته ، أنّ الذي ينتجه نظر المظالم أن يؤمر المدّعي بجمع دعاواه عند ظهور الإعنات منه ، وإحلاف الخصم على جميعها يمينا واحدة.
وأورد القاضي أبو يعلى الحنبلي مثل ما ذكره الماوردي تماما ، وكذلك أورد الحنابلة هذا المعيار على حقّ الملكية ، وفي وصية الضرار ذكر الحافظ ابن رجب في ردّها قولا أنّه قياس مذهب الإمام أحمد ، وقال بإبطالها ابن تيمية وابن القيّم.
بل لقد أورد الإمام ابن حزم الظاهري ما يفيد إبطال هذه الوصية ، فإنّه بعد أن ذكر الآية الكريمة في وصية الضرار قال : وإنّما يبطل من الوصية ما قصد به ما نهى الله عنه فقط.
وعند الجعفرية الإمامية يمنع المالك من التصرّف في ملكه إذا قصد مجرّد الإضرار بالغير.
وفي فقه الزيدية تحرم مراجعة الزوجة ليمنعها الزواج إذ هو إضرار بها ، وفي كتبهم قول بمنع من حفر بئرا في ملكه لينجذب ماء البئر التي في ملك غيره.
وعلّل الأباضية توريث المبتوتة بأنّ الزوج قد طلّقها إضرارا بها». التعسّف في استعمال حقّ الملكية في الشريعة والقانون : ١٩٥ ـ ١٩٦.