وتقول بكونه لا حرج فيه؟
والذي يبدو أنّ الآية وسّعت في مفهوم الحرج بالشكل الذي يتعدّى ويتّسع لمثل الجهاد من التكاليف الشاقّة ، وقالت عنه : إنّه ليس حرجيا ، وكأنّ الآية تريد أن توضّح للناس بأنّ التكاليف التي كلّفتم بها ، وأنّ ما جاءت به الشريعة من أحكام ، جميعها أحكام غير حرجية ، ولا تكلّفكم عسرا وضيقا.
وهذا يعني خلاف ما يراد من القاعدة من نفي الأحكام الحرجية إذ لا حرج حتّى ينفى ، أو قل : لا حكم حرجي ؛ إذ كلّ حرج يتصوّر في أيّ من التكاليف لا يساوي ولا يعدل التكليف بالجهاد ، ومع ذلك قالت عنه : إنّه ليس بحرجي.
القول الثاني : إنّ المراد من الجهاد ما جاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي من أنّ : «أكثر المفسّرين حملوا الجهاد هاهنا على جميع أعمال الطاعة ... وقال السدي : هو أن يطاع فلا يعصى». (١) ونظيره ما جاء عن «الكشاف» للزمخشري. (٢)
وربّما كان هو الأقرب بقرينة تعقيبه بجملة (هُوَ اجْتَباكُمْ) أي : اختاركم واصطفاكم ، ومعنى الاختيار والاجتباء هنا يناسب أن يكون المطلوب والمبعوث إليه جميع الطاعات ، وتكون الآية موضحة : أنّ الأحكام التي فرضت عليكم لا يراد بها إعناتكم والتشديد عليكم ، بل لصالحكم ولأنفسكم ، فإذا لزم من تكليف شرعي حرج عليكم فاعلموا بأنّه ليس ممّا جعل عليكم.
وبهذا التقريب تعتبر الآية من أقوى أدلّة الحجّية ؛ لكونها واردة في لسان القاعدة ، وليس في ملابساتها ما يوجب التوقّف عن الأخذ بها.
ثانيا : قوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ
__________________
١ ـ مجمع البيان ٧ : ١٧٢ ـ ١٧٣.
٢ ـ الكشّاف ٤ : ٢١٤.