وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(١).
قال في مجمع البيان : «معناه : ما يريد الله بما فرض عليكم من الوضوء إذا قمتم إلى الصلاة ، والغسل من الجنابة ، والتيمّم عند عدم الماء ، أو تعذّر استعماله ، ليلزمكم في دينكم من ضيق ، ولا ليعنتكم فيه ، عن مجاهد وجميع المفسّرين». (٢)
والذي يظهر من هذا التفسير أنّ التعقيب وارد على جميع ما شرّع ، وبيان أنّه جميعه ، سواء في ذلك الأوامر الأولية الواقعية أو الثانوية الاضطرارية ، ليست حرجية ولا تكلّفكم عنتا.
ولكنّ الذي يمكن أن نستوضحه : أنّ التعقيب ليس على جميع الأحكام ، وإنّما على الانتقال من الطهارة المائية إلى الترابية ، فكأنّ الآية الكريمة لمّا فرضت الوضوء ، توقّعت حالات عارضة يعسر أو يشقّ معها الوضوء ، فرفعت ذلك الحكم ، وأثبتت مكانه حكما آخر أخفّ منه ، ولا كلفة فيه كالأوّل ، كلّ ذلك إرادة لرفع الحرج ، وبيان أنّه ممّا لم يرد للشارع ، ثمّ عقّبت بأنّ الأوامر المتقدّمة وطلب الطهارة مائية أو ترابية كلّها تكاليف ذات مصالح ملزمة يراد بها تطهيركم ، وإتمام النعمة عليكم بإرشادكم إلى مصالحكم ، لعلّكم تشكرون.
فتكون الآية بهذا الاستظهار دالّة على المطلوب ؛ لأنّها وردت لرفع حكم حرجي وهو الحكم الأولي الاختياري ، وشرّعت مكانه ما ليس فيه كلفة ولا مشقّة ؛ تخفيفا وتسهيلا على المكلّفين.
وتعتبر هذه الآية من أقوى أدلّة الحجّية كذلك ؛ لكونها واردة في لسان القاعدة.
ثالثا : قوله تعالى : (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ
__________________
١ ـ المائدة : ٦.
٢ ـ مجمع البيان ٣ : ٢٨٩.