يكون هو المخصّص. وحينئذ يكون التخصيص واحدا وإن أخرج أكثر الأفراد. ومثل هذا ليس فيه ما يستهجن لدى أهل اللسان ؛ لأنّ المستهجن كثرة التخصيصات ، لا التخصيص الواحد المنطوي على كثرة الأفراد. (١)
وهذا الجواب سليم جدا لو أنّ الشارع المقدّس جمع بين مداليل الأحكام أو الموضوعات الحرجية ، وكوّن منها دليلا واحدا قدّمه على دليل الحرج ، أمّا وأنّ هذا من صنعنا نحن ، وليس للشارع يد في التماس قدر جامع بين هذه الأحكام حيث يقدّم على قاعدة الحرج المذكورة ، وعملية التقديم عملية جمع بين الأدلّة ، لا عملية جمع بين دليل الشارع والقدر الجامع الذي انتزعناه نحن من مختلف الأدلّة ، فإشكال الوهن لكثرة التخصيص قائم فعلا.
والأولى أن يجاب عن ذلك : بأنّنا لا نتعقّل أن يجعل الشارع أحكاما حرجية ؛ لما سبق أن أشرنا إليه في كتابنا (الأصول العامّة للفقه المقارن) (٢) من أنّ أحكام الشارع وليدة مصالح ومفاسد باتّفاق كلمة المسلمين وإن اختلفت وجهات نظرهم في كيفية الاستدلال على ذلك ، وتشريع الأحكام الحرجية من قبله يتنافى مع ما يدركه العقل من أنّ ذلك ممّا لا ينبغي صدوره من الشارع المنزّه عن شهوة التحكّم في تصرّفات عبيده ، كما هو مقتضى ما تقتضيه قاعدة التحسين والتقبيح العقليين.
إضافة إلى أنّ الأعلام الذين استدلّوا على مبدأ المصالح والمفاسد بالاستقراء لا بدّ أن يكونوا قد أدركوا ـ بحكم استقرائهم ـ أوجه المصالح في هذه الأحكام التي يبدو أنّها حرجية وإن لم تكن هي كذلك.
وإذا صحّ هذا اتّضح ما نريده من عدم صدق عنوان (الحرج) على موضوعات هذه الأحكام التي لا يتقوّم النظام الاجتماعي إلّا بها عادة.
__________________
١ ـ هذا الجواب ذكره الشيخ الأنصاري أيضا في مقام الجواب عن الشبهة المذكورة في قاعدة «لا ضرر ولا ضرار». راجع : فرائد الأصول ٢ : ٤٦٥.
٢ ـ راجع : ص ٢٧٨ من هذا الكتاب.