الآخر ، ومن دون ذلك لا يستطيع الباحث أن يتعرّف الآراء الأخرى للمذاهب الإسلامية ، ولا يستطيع الاقتراب من المنهج الذي لا يعرفه ، ولم يطّلع عليه.
من هنا تكمن أهمّية المنهج المقارن الذي يصرّ عليه العلّامة ، فهو يؤدّي إلى رفع حالة الالتباس ، وسوء الفهم الذي ساد بين المذاهب الإسلامية مدى زمن طويل ، ممّا يهيّئ أرضية مشتركة لتوحيد المسلمين ، ويجعل الحكم بين المسلمين هو الحجّة والبرهان ، لا التعصّب المذهبي الذي هو آفة العلم.
ومن حسنات المنهج المقارن أنّه يؤدّي إلى تلاقح الأفكار ونضجها ، ويكسر حالة الجمود والتقليد التي تكون سائدة داخل المذهب الواحد ؛ فإنّه بالاطّلاع على الآراء والحجج الأخرى يمكن الفقيه ـ في ضوء الموازنة والمقارنة الموضوعية ـ أن يحلّل تلك الآراء ، ويخضعها للمقاييس العلمية ، ويقبلها إن وافقت تلك المقاييس ، ويرفضها إن لم تطابقها ، وقد جاء في الحديث الشريف : «الحكمة ضالّة المؤمن ، فحيثما وجد أحدكم ضالّته ، فليأخذها».
عملنا في هذا الكتاب
كان عملنا في هذا الكتاب يتمحور في نقاط ، وهي ما يلي :
١ ـ الإرجاع إلى المصادر الأساسية : فقد عملنا جهد الإمكان على إرجاع الآراء المنسوبة إلى أشخاص معيّنين إلى كتبهم مباشرة ، وعدم الاكتفاء بنسبة الآخرين إليها ، فمثلا في الطبعة السابقة للكتاب كان قد نقل تعريف الحموي من كتاب (المدخل الفقهي العامّ) للشيخ مصطفى الزرقا ، ونحن قمنا بإرجاع هذا التعريف إلى كتاب الحموي نفسه ، وهو كتاب (غمز عيون البصائر) وكذلك الأمر بالنسبة إلى الآراء والأفكار التي كانت تنسب إلى المحقّق النائيني ، وكان يرجع فيها إلى كتاب (القواعد الفقهية) للبجنوردي ، فأرجعنا آراء النائيني إلى كتابه (منية الطالب).