نظم التقابل بين الضرر والمنفعة
وآراء العلماء في طبيعة هذا التقابل مختلفة ، ولهم فيها أقوال :
(١) أنّهما من قبيل النقيضين ؛ فيكون معنى الضرر بناء على هذا القول : هو عدم المنفعة ، وإليه ذهب الطوفي من الحنابلة ، وبنى عليه مذهبه في المصالح المرسلة في رسالته (١) وهو يتحدّث في هذا المجال : ثمّ إنّ قول النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا ضرر ولا ضرار» يقتضي رعاية المصالح إثباتا والمفاسد نفيا ؛ إذ الضرر هو المفسدة ، فإذا نفاها الشرع لزم إثبات النفع الذي هو المصلحة ؛ لأنّهما نقيضان لا واسطة بينهما. (٢)
(٢) أنّهما من قبيل الملكة والعدم في المحلّ القابل لهما ، وقد ذهب إليه الشيخ محمد كاظم الخراساني صاحب كتاب : كفاية الأصول ، من الإماميّة. (٣)
وهذا القول يشبه القول الأوّل في اعتبار أنّ الضرر هو عدم المنفعة ، إلّا أنّه يفترق عنه في اعتباره عدم ملكة ، لا نقيضا ، أي اعتبر قابلية المحلّ فيه دون القول الأوّل.
(٣) أنّهما من قبيل الضدّين اللّذين لهما ثالث ؛ لأنّ الضرر معناه : دخول النقص على شيء ما ، والمنفعة معناها دخول الزيادة عليه ، وقد يوجد محلّ ... (٤)
__________________
١ ـ هذه الرسالة هي في الأصل شرح الحديث الثاني والثلاثين ، وهو قوله صلىاللهعليهوآله : «لا ضرر ولا ضرار» ، من الأربعين حديثا النووية ، والتي قام الطوفي بشرحها ، وأفاض في شرح هذا الحديث ، وأدخل فيه بعض المباحث الأصولية ، فقام البعض باستقلال هذا الحديث من مصدره الأصلي وطبعه منفردا في رسالة سميّت ب «رسالة الطوفي في رعاية المصلحة». والوجه في تسميتها بذلك هو أنّ الطوفي عوّل كثيرا على هذا الحديث للاستدلال على المصالح المرسلة.
٢ ـ رسالة الطوفي : ١١٠ ، وهي ملحقة بكتاب «مصادر التشريع الإسلامي فيما لا نصّ فيه» لعبد الوهاب خلّاف.
٣ ـ كفاية الأصول : ٣٨١.
٤ ـ ذهب إلى هذا القول كلّ من : النراقي في عوائد الأيام : ٤٩ ـ ٥٠ ، والسيد مير فتاح المراغي في العناوين ١ : ٣١٠ ، والبجنوردي في القواعد الفقهية ١ : ٢١٤.