القول المختار
والمتبادر من هذه الأقوال عرفا هو القول الثالث ، والتبادر ـ كما يقولون ـ علامة الحقيقة ، فالتاجر الذي يدخل السوق بمائة دينار ويخرج بمائة وعشرة يقال : إنّه انتفع ، فإذا خرج بتسعين قيل : بأنّه تضرّر ، فإذا خرج برأس المال فإنّه لا يصدق عليه بأنّه انتفع أو تضرّر ، ونظير ذلك الربح والخسارة والمصلحة والمفسدة.
فإذن هما من قبيل الضدّين اللّذين لهما ثالث ، هو المحلّ الذي يكون خاليا منهما.
وإذا صحّت دعوى تبادر هذا المعنى من كلمتي الضرر والمنفعة ، ضممنا إلى ذلك أصالة عدم النقل ، لنثبت لهما هذه الدلالة في زمن صدور الحديث.
ثانيا : الضرار
أمّا الضرار فقد اختلف الفقهاء في معناه أيضا تبعا لاختلاف اللّغويين ، وخلصنا من ذلك إلى عدّة أقوال :
(١) أنّه بمعنى الضرر ، فيكون عطفه في هذا الحديث على الضرر من باب عطف التفسير ، أو كما قال في لسان العرب : «وقيل هما بمعنى ، وتكرارهما للتأكيد». (١)
(٢) أنّه مباين له ؛ لأنّ معنى الضرر «ما تضرّ به صاحبك وتنتفع أنت به ، والضرار أن تضرّه من غير أن تنتفع». (٢)
(٣) أنّه مباين له أيضا ؛ لأنّ «الضرر : ابتداء الفعل ، والضرار : الجزاء عليه» ٣ ـ قال ابن الأثير وهو يتحدّث عن معنى الحديث : «قوله : «لا ضرر» أي لا يضرّ الرجل أخاه شيئا من حقّه ، والضرار : فعال من الضرّ ، أي لا يجازيه على إضراره بإدخال الضرر
__________________
١ ـ لسان العرب ٤ : ٤٨٢ مادة «ضرر».
٢ ـ النهاية في غريب الحديث ٣ : ٨١ ـ ٨٢ مادة «ضرر».
٣ ـ مجمع البحرين ٣ : ١٦ مادة «ضرر».