على أنّا في غنى عن ذلك كلّه بعد ما قرّبناه في كتابنا «الأصول العامّة للفقه المقارن» (١) من قيام بناء العقلاء الممضى قطعا من قبل النبي صلىاللهعليهوآله بحكم قيامه في زمنه ، وعدم ثبوت ردع عنه ، من الأخذ بكلّ خبر وتصديق صاحبه ما لم تكن في لسانه غرابة تستوجب التوقّف عن الاعتماد عليه ، أو تكتنف أجواؤه مواقع للتّهمة ، كأن يكون للراوي هوى معيّن يلتقي مع مضمون ذلك الحديث ، وبخاصّة في القضايا التي لها أهمّية واسعة يتوقّف عليها تقرير مصير ما ، ولعلّ في آية التبيّن التي ردعت عن الأخذ برواية الفاسق ما يشير إلى ما قلناه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ)(٢).
وما عدا ذلك فالناس يصدّق بعضهم بعضا لمجرّد الخبر منهم دون فحص عن هويّة المخبرين عادة. ومثل هذا الحديث بما له من مضمون عال لا يتّضح فيه موقع لتريّب أو اتّهام.
فالحديث إذا من حيث السند لا يقتضي أن يكون موضعا لكلام.
مناقشة ورأي
أمّا متون الأحاديث المتضمّنة لهذه القاعدة فقد وقعت عليها زيادة ونقيصة ، ففي بعضها الاقتصار على كلمتي «لا ضرر ولا ضرار» (٣) ، وفي آخر زيادة كلمة «على مؤمن» (٤) ، وفي ثالث زيادة كلمة «في الإسلام» (٥).
__________________
١ ـ ١٩١ ـ ١٩٢.
٢ ـ الحجرات : ٦.
٣ ـ مسند أحمد ١ : ٥١٥ مسند عبد الله بن عباس ح ٢٨٦٢ ، والكافي ٥ : ٢٩٢ كتاب المعيشة ، باب الضرار ح ٢.
٤ ـ الكافي ٥ : ٢٩٤ كتاب المعيشة ، باب الضرار ح ٨.
٥ ـ من لا يحضره الفقيه ٤ : ٣٣٤ كتاب الفرائض والمواريث ، باب ميراث أهل الملل ح ٥٧١٨ ، ومجمع الزوائد ٤ : ١١٠ باب لا ضرر ولا ضرار.