وكأنّ المراد من هذا النصّ أنّ جواز الدخول من غير استئذان لمّا كان مسبّبا عن حقّه ببقاء العذق ، ويكون ذلك الجواز ضرريا ؛ فإنّه يجوز رفعه برفع سببه ، أعني : حقّه ببقاء العذق ، ويكون ذلك تطبيقا لقاعدة (لا ضرر) الدالّة على رفع الأحكام الضررية ؛ وبخاصّة أنّ السبب تعنون بعنوان الضرر تبعا للحكم الذي تسبّب عنه.
ويمكن أن يجاب على ذلك بأنّ السبب إذا كان سببا لأحكام متعددة وكان بعضها ضرريا وبعضها غير ضرري ، فإنّ دليل (لا ضرر) لا ينفي أكثر من الحكم الضرري ، أمّا بقية الأحكام فلا معنى لرفعها برفع سببها (١) ، و (الضرورات تقدّر بقدرها) كما تقول القاعدة العقلية ، وقاعدة (لا ضرر) قاعدة امتنانية ، وليس من المنّة أن يعاقب الإنسان بأكثر ممّا يستحقّه من عقاب.
وحقّه ببقاء العذق هنا يصلح أن يكون سببا لترتّب حقوق متعدّدة عليه ، كحقّه في استغلال الثمرة مثلا ؛ فلا معنى لأن يحرم منها وهي غير ضرريّة ، وكان يكفي في رفع الضرر عنه رفع حقّه في الدخول بغير استئذان ، لا قلع أصل الشجرة.
على أنّ تعنون السبب بعنوان الضرر ـ لأنّ الحكم المترتّب عليه قد أخذ هذا العنوان ليتسلّط عليه الرفع ـ غير واضح. (٢)
رابعها : والجواب الذي يراه بعض أساتذتنا أنّه هو الصواب أن يقال : إنّ تقديم حقّ الأنصاري ؛ لحفظ عرضه ، من جهة أهمّيته في نظر الشارع ، كما هو الشأن في باب التزاحم من تقديم الأهمّ على المهمّ ، وهو أحد المرجّحات الخمسة في باب التزاحم ، بل أهمّها. (٣)
ومراده من هذا النصّ ظاهرا : أنّ هذه القصة يمكن أن تنتظم في باب التزاحم ، إذ إنّ قلع الشجرة ممّا يولّد ضررا لسمرة ، وبقاءها ممّا يولّد ضررا للأنصاري ، وذلك
__________________
١ ـ راجع : مصباح الأصول ٢ : ٥٣١.
٢ ـ القواعد الفقهية للبجنوردي ١ : ٢٢٦.
٣ ـ المصدر السابق : ٢٢٧.