وبين الدليل المحكوم. (١)
ولإيضاح معنى الحكومة ، وبيان السرّ في تقديم الأدلّة المتوفّرة عليها على غيرها نعود إلى ما سبق أن ذكرناه في كتابنا «الأصول العامّة للفقه المقارن» من تحديدها ، وذكر الفرق بينها وبين التخصيص ، والسبب الذي أوجب أن لا تلحظ النسبة بينها وبين ما تحكم عليه ، بخلاف التخصيص ... إلى ما هنالك ممّا يلقي بعض الأضواء في هذا المجال :
قلنا في كتابنا «الأصول العامّة للفقه المقارن» : المراد بالحكومة أن يكون أحد الدليلين ناظرا إلى الدليل الآخر ، موسّعا أو مضيّقا له.
فمن القسم الأوّل ما ورد من أنّ : «الفقّاع خميرة استصغرها الناس» (٢) ، فالفقّاع وإن لم يكن خمرا بمفهومه اللغوي ، إلّا أنّ الشارع بدليله هذا وسّع مفهوم الخمر إلى ما يشمل الفقاع ، وأعطاه جميع أحكام الخمر بحكم عموم التنزيل ، وأمثال هذا في الأدلّة كثيرة.
ومن القسم الثاني ما ورد في أدلّة نفي الضرر ، كقوله صلىاللهعليهوآله : «لا ضرر ولا ضرار» (٣) ، وسمة هذه الأدلّة إلى أدلّة الأحكام الأوّلية سمة المضيّق لها إلى ما لا يشمل الأحكام الضرريّة ، ولسان الكثير من أدلّة هذا النوع من الحكومة لسان نفي للموضوع تعبّدا ، ونفي الموضوع يستدعي نفي الحكم ، إذ لا حكم بلا موضوع.
ومن مزايا الأدلّة الحاكمة أنّ النسبة لا تلحظ بينها وبين الأدلّة المحكومة كما هو الشأن في الأدلّة المخصّصة ، فليس من الضروري أن يكون الدليل الحاكم أخصّ من الدليل المحكوم ؛ لنلتزم بتقديمه عليه ، بل يكفي أن يكون شارحا ومبيّنا له ليقدّم
__________________
١ ـ انظر : رسائل فقهية : ١١٦ «قاعدة لا ضرر» ، ومنية الطالب ٣ : ٤٠٥ ، والقواعد الفقهية للبجنوردي ١ : ٢٣٢ ، ودراسات في علم الأصول ٣ : ٥١٤ ـ ٥١٥.
٢ ـ الكافي ٦ : ٤٢٣ كتاب الأشربة ، باب الفقاع ح ٩.
٣ ـ تهذيب الأحكام ٧ : ١٤٧ كتاب التجارات ، باب (١٠) في بيع الماء والمنع عن الكلأ والمراعي ح ٣٦.