عيسى الأشعري.
فما يقوله المحدث : حدثني فلان ، لا يعني تصديقه لمن أخبره فيما يقول ، أو أنّه ملتزمٌ بما رواه ، بل غاية الأمر هو نقل قوله دون القبول أو الجرح وهذا جانب آخر ، والبحث فيه له مجال ثان ، فهو من قبيل قول اللّه سبحانه ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ ).
وكذا الحال بالنسبة إلى اعتماد المراسيل ؛ فإن أُريد العمل بها فتلك وظيفة الفقيه لا المحدّث ، وان أُريد نقله للرواية دون إسناد فهذا قد فعله الكثير من المحدّثين في مجاميعهم الحديثية ، ولا يعتبر ذلك جرحا لهم حسب قواعد الصناعة المتعارفة عند المحدّثين.
وبذلك نخلص من مجموع ما قلناه : أنّ القميّين من جهة ابتعادهم عما يجري في العراق والحركة العقلية فيها رسموا لانفسهم معايير علمية للتعامل مع الرواية والراوي ، وقد تكون بعض تلك الضوابط شديدة لا يومن بها غيرهم ، كما فعلوه بالبرقي لمجرّد روايته عن الضعفاء ، وهذا الموقف مخالفٌ في المبدأ لطريقة كلّ علماء الحديث في أُمة الإسلام ؛ فالحديثُ الضعيف لا يسوغ تركه لمجرّد ضعفه عند علماء الأُمة ، لاحتمال اعتباره بشاهد مثله يرفعه إلى درجة الحجّية ، وهذه النقطة كسابقتها تشكّكنا بحكم القميّين على الرواية والراوي ، كما أنّهما ناهضتان للتشكيك بسلامة حكم الشيخ الصدوق رحمهالله على أخبار الشهادة الثالثة بالوضع ، وبهذا فقد يمكن أن يكون ذلك تسرعا أو تشددا منه. غير متناسـين ما قلناه عن تشدد القميين بأ نّه كان لغلق الابواب بوجه المغرضين.
وعليه فتشدد القميين أما لابتعادهم جغرافيا عن الحركة العقلية في العراق أو خوفا من استغلال الجاهلين لبعض الحقائق التي لا تدركها افهام عامة الناس.