وهل من الصدفة في شيء أن يكون الإمام عليٌّ هو محور هذه الفقرات الثلاث؟
إن موضوع « حي على خير العمل » ما هو إلاّ نافذة واحدة من النوافذ الكثيرة إلى الفقه الأصيل والفقه المحرَّف ، وإنّ شأنه في مفردات الفقه الخلافيّ شأنُ التكبير على الميّت أربعا أم خمسا ، وشأن حكم الأرجل في الوضوء هل هو المسح أو الغسل؟ وأنّ المتعة جائزة أم حرام؟ والتختّم في اليمين أو الشمال؟ والمصلي هل عليه القبض أو الارسال؟ وهل أن الجهر بالبسملة سنة أم الإخفات بها هو السنة؟ وأن صلاة الضحى والتراو يح شرعية أم بدعية؟ وهكذا عشرات المسائل في الفقه المقارن.
فالذي يكبّر على الميّت خمسا يقول : لا أتركها لقول أحد (١) ، والقائل بالمسح على الأرجل يراها موافقه للذكر الحكيم ، حيث لا يوجدُ في كتاب اللّه إلاّ غسلتان ومسحتان (٢) ، وأمّا الذي يمنع من المتعة فيستدلُّ بمنع عمر لها (٣) ، وهكذا الحال بالنسبة إلى غيرها من الأُمور الخلافيّة عند الطرفين ، فالبعض يستدلّ بالنصّ القرآنيّ والحديث المتواتر النبويّ ولا يرتضي استبدالهما بقول أحد ، وهناك من يأخذ بسيرة الشيخين معيارا للنفي والإثبات.
إذن هناك سنّة لرسول اللّه ، وهناك سنّة للشيخين ، فالبعض كان لا يرتضي ترك سنّة رسول اللّه لقول أحد ، والآخر يرى الخليفة هو الأعلم بالأحكام وروح التشريع فيجب اتّباعه حتّى لو خالف سنّة النبيّ الثابتة.
إنّ ربط عمر بن الخطاب بين هذه المسائل الثلاث ـ المتعتين وحيَّ على خير
__________________
(١) أنظر مسند أحمد ٤ : ٣٧٠ / ١٩٣١٩ ، وشرح معاني الأثار ١ : ٤٩٤ عن زيد بن أرقم.
(٢) سنن الدارقطني ١ : ٩٦ / ح ٥ ، سنن البيهقي الكبرى ١ : ٧٢ / ح ٣٤٥ عن ابن عباس.
(٣) مسند أحمد ٣ : ٣٢٥ / ح ١٤٥١٩ ، وانظر ١ : ٥٢ / ح ٣٦٩ ، معرفة السنن والآثار ٥ : ٣٤٥ / ح ٤٢٣٧ ، سنن سعيد بن منصور ١ : ٢٥٢ / ح ٨٥٣ ، مسند أبي عوانة ٢ : ٣٣٨ / ح ٣٣٤٩.