حَكَمَ الداعي الكبير طبرستان في إيران والبويهيّون ـ بغداد وإيران وغيرها ـ مائة وثلاث عشرة سنة ، بدءا من وفاة آخر سفراء الإمام المهدي بأربع سنوات إلى أواسط عصر الشيخ الطوسي ، أي من سنة ٣٣٤ ه إلى ٤٤٧ ه ، فإنّ وجود انشقاقات كهذه في الدولة العباسية يزيد في الطين بلّة ، ويُعقّد الأمور أكثر فأكثر على الشيخ المفيد.
لقد انتهج البويهيّون ـ أيّام حكمهم ـ سياسة التوازن بين الطوائف ، فكانوا يريدون أن يعيش الشيعة بدون تقيّة ، والآخرون يحكمون بحرّيّة ، وكان ممّا قرّر في عهد بهاء الدولة ـ وزير القادر ـ هو نظام النقابة للعلو يين ، وقد عيّن بالفعل والد الشريفين : الرضي والمرتضى لهذا المنصب (١).
لكنّ الخليفة القادر العباسي ـ الذي حكم بين سنة ٣٨١ ه إلى ٤٢٢ ه ـ سحب هذه النقابة من والد الشريفين في سنة ٣٩٤ ه ، لملابسات كثيرة مذكورة في كتب التاريخ ، ساعيا لإعادة مجد الحكم السني للخلافة ، وذلك لاختلافه مع البويهيّين ، ولنشوء دول شيعية في مصر والشام ، وهذه الأعمال كانت تشدّد الأزمة بين البويهيين والعباسيين.
فأوّل عمل عمله القادر العباسي هو أن أعدّ ـ في سنة ٤٠٢ هـ ـ مذكّرة موقّعة من قبل علماء بارزين من الشيعة والسنة يشكّكون فيها بنسب الخلفاء الفاطميّين في مصر ، ويفنّدون فيها الباطنية ، إلى غيرها من الاُمور التي شددت الصدام بين الفريقين (٢).
وكان مما حكاه ابن الجوزي هو : ان بعض الهاشميّين من أهل باب البصرة قصدوا أبا عبداللّه محمد بن النعمان ، المعروف بابن المعلم ، وكان فقيه الشيعة في
__________________
(١) الكامل في التاريخ ٨ : ٣٠.
(٢) الكامل في التاريخ ٧ : ٤٤٨.