مسجده بدرب رباح ، وتعرّض به تعرضا امتعض منه أصحابه ، فساروا واستنفروا أهل الكرخ ، وصاروا إلى دار القاضي أبي محمد بن الأكفاني وأبي حامد الإسفرايني فسبّوهما وطلبوا الفقهاء ليوقِعُوا بهم ، ونشأت من ذلك فتنة عظيمة ، واتّفق أنّه أَحضر مصحفا ذكر أنّه مصحف ابن مسعود وهو يخالف المصاحف ، [ لان فيه التفسير السياقي للآيات ] فجمع الأشراف والقضاة والفقهاء في يوم الجمعة لليلة بقيت من رجب ، وعرض المصحف عليهم ، فأشار أبو حامد الإسفرايني والفقهاء بتحر يقه ، ففُعل ذلك بمحضرهم.
فلمّا كان شهر شعبان كُتب إلى الخليفة بأنّ رجلاً من أهل جسر النهروان حضر المشهد بالحائر ليلة النصف ودعا على من أحرق المصحف وسّبه ، فتقدم بطلبه ، فأُخِذَ فرُسِمَ قتله ، فتكلّم أهل الكرخ في هذا المقتول لأ نّه من الشيعة ، ووقع القتال بينهم وبين أهل باب البصرة وباب الشعير والقلاّئين ... (١).
وقد علل الشيخ المفيد سبب ظهور مصحفي أُبيّ وابن مسعود [ السياقيين [ عند الناس واستتار مصحف أمير المؤمنين ، بأنّ السبب في ذلك عظم وطأة أمير المؤمنين على ملوك الزمان وخفّة وطأة أُبيّ وابن مسعود عليهم ـ إلى أن قال ـ فصل : مع أنّه لا يثبت لأُبيّ وابن مسعود وجود مصحفين منفردين ، وإنّما يذكر ذلك من طريق الظنّ وأخبار الآحاد ، وقد جاءت بكثير مما يضاف إلى أمير المؤمنين من القرّاءِ أخبارُ الآحادِ الّتي جاءت بقراءة أُبيّ وابن مسعود على ما ذكرنا (٢).
وبهذا ، فلا يستبعد أن يكون الشيخ المفيد أراد أن يبتعد عن أمر هو في غنى عنه ، لأنّ الاحداث كانت تجري باتّجاه آخر ، والشيخ رحمهالله لا يريد تشديد الأزمة ،
__________________
(١) المنتظم ٧ : ٢٣٧ أحداث سنة ٣٩٨ ه.
(٢) المسائل العكبرية : ١١٩ المطبوع ضمن مصنفات الشيخ المفيد / ج ٦.