بمعنى : أنّ ملاك تشريع الشهادة الثالثة موجودٌ لكن اقتضاءً وإن لم تُشرَّع فعليا ، أي أنّ الإمام ذكرها على نحو الاقتضاء وما له إمكانية التشريع لا بنحو العلّة التامّة ، وأودعها عند بعض اصحابه ولم يرضَ بالبوح بها في ذلك الزمان (١) ، لإمكان تشريعهم لها (٢) ، أي أنّ المقتضى كان موجودا وكذا المانع ، ولا ريب في أنّ المانع ، كفيل بعدم التشريع ، خصوصا للحفاظ على دماء الشيعة ورقابهم ، وهو نظير قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لولا أن أشقّ على أمّتي لأ خّرت العشاء إلى ثلثي الليل » (٣) ، أو قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم لعائشة : « لولا أنّ قومَك حديثو عهد بجاهلية لنقضت البيت ولبنيته كما بناه إبراهيم » (٤) وهو ظاهر في أن ملاك نقض البيت وإعادة بنائه موجود ، لكن لم يؤسس النبي عليه حكما ، لوجود مانع ، وهو حداثة عهد الصحابة بالجاهلية ، وكذا الحال بالنسبة إلى تأخير العشاء ؛ فقد تركه لأ نّه إحراج للأمّة.
وعلى هذا الأساس يمكننا القـول بأنّ الاحتمال السابق يقوّي استدلال القائلين برجحان ذكر الشهادة بالولاية في الأذان ، وذلك لارتفاع المانع اليوم من ذكرها ، ولا خوف اليوم على الشيعة منها ، بل صارت شعارا ورمزا للتشيّع ، فلا يُستبعد ضرورة التمّسك بها ، كما هو مذهب السّيّدين الحكيم والخوئي ومذهب غيرهما
__________________
(١) انظر المحاسن ، للبرقي ١ : ٣٩٧ باب التقية ، وفيها ٢٧ حديثا ، منها قول الصادق لسليمان بن خالد : يا سليمان إنّكم على دين من كتمه أعزّه اللّه ، ومن أذاعه أذلّه اللّه.
(٢) إذ جاء عن رسول اللّه أنّه ترك صلاة نافلة الليل في المسجد كي لا تفرض عليهم ، انظر صحيح البخاري ١ : ٢٥٥ / ح ٦٩٦ ، ، و ١ : ٣٨٠ / ح ١٠٧٧ ، و ٦ : ٢٦٨ / ح ٦٨٦٠ ، صحيح مسلم ١ : ٥٢٤ / ح ٧٦٩ ، ٧٦١ ، صحيح ابن حبان ٦ : ٢٨٤ ـ ٢٨٦ / ح ٢٥٤٣ ، ٢٥٤٤ ، ٢٥٤٥ ، سنن أبي داود ٢ : ٤٩ / ح ١٣٧٣ ، الجمع بين الصحيحين ٤ : ٦٦ / ٣١٧٨ ، باب المتّفق عليه من مسند عائشة.
(٣) الكافي ٣ : ٢٨١ / ح ١٣ / باب وقت المغرب والعشاء. وانظر من لا يحضره الفقيه ١ : ٢٧٣ / ح ٩٨٦.
(٤) العمدة لابن البطريق : ٣١٦ ، ٣١٧ ، الجمع بين الصحيحين للحميدي ٤ : ٤٣ / باب المتّفق عليه من مسند عائشة.