قدّس اللّه أرواحهم.
وفي الجملة : فإنّ الشـارع المقدّس وإن كان يدور تشريعه مدار الملاكات والمصالح والمفاسد إلاّ أنّ الموانعَ مأخوذةٌ أيضاً في عملية التشريع ، ومن ذلك ما روته الأ مّة عن النبيّ أنّ ملاك تشريع وجوب صلاة الليل في ليالي شهر رمضان موجود لكنّ النبيّ مع ذلك لم يشرّع ذلك لمانع وهو خوفه على الأمة من عدم الامتثال ثمّ الوقوع في المعصية ، ومن هذا القبيل الشهادة الثالثة ، فيمكن القول أنّ النبي لم يشرّعها مع وجود ملاكها خوفا على الأمة من التخبط والتقهقر.
ومهما يكن ، فقد ورد عن أئمّة العصمة في ذلك روايات ظاهرة في أنّ الملاك لا يؤسّس حكما شرعيا لو كان اقتضائيا ما لم يرتفع المانع ، وهو هنا الخوف على دماء الشيعة.
وإليك الآن بعض الروايات الدالّة على أنّ الأئمّة هم الّذين يوقعون الاختلاف بين الشيعة كي لا تعرف السلطات رأيهم ونظرهم في بعض الأحكام كما أشرنا.
فمن ذلك ما رواه في الكافي (١) في الموثّق عن زرارة ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : « سألته عن مسألة فأجابني ، ثمّ جاءه رجل فسأله عنها فأجابه بخلاف ما أجابني ، ثم جاء رجل آخر فأجابه بخلاف ما أجابني وأجاب صاحبي ، فلمّا خرج الرجلان قلت : يا ابن رسول اللّه رجلان من أهل العراق من شيعتكم قدما يسألان ، فأجبت كلّ واحد منهما بغير ما أجبت به صاحبه!!
فقال : يا زرارة ، إنّ هذا خير لنا وأبقى لنا ولكم. ولو اجتمعتم على أمر واحد لصدَّقكم الناس علينا ، ولكان أقلَّ لبقائنا وبقائكم.
قال : ثمّ قلت لأبي عبداللّه عليهالسلام [ الصادق ] : شيعتكم لو حملتموهم على الأسنّة أو على النار لمضوا ، وهم يخرجون من عندكم مختلفين ، قال : فأجابني بمثل
__________________
(١) الكافي ١ : ٦٥ / ح ٥ ، باب اختلاف الحديث.