وبعد هذا لنا الآن أن نتساءل : لو كان هذا هو وضع بغداد وقم عقائديا ، فكيف يمكن أن ننسب الغلوّ والتفو يض إلى البغداديين؟! مع ما عرفنا عنهم من أنّهم اقرب إلى العامّة مكانا وفكرا ، وذلك لمخالطتهم لأفكار المعتزلة والمرجئة وغيرها من الأفكار السائدة آنذاك في بغداد.
وفي المقابل كيف يمكننا تصوّر التقصير في أهل قمّ؟! مع وقوفنا على كثرة المرويّ من قِبَلِهِمْ في مقامات الأئمّة ، واهتمامهم المفرط بالأخذ عن الثقات. والتعريفُ بكتاب « بصائر الدرجات » لمحمّد بن الحسن بن فروخ الصفار القمّي ( ت ٢٩٠ ه ) من أصحاب الإمام العسكري ، كافٍ لإعطاء صورة عن المنزلة المعرفيّة لأهل قمّ ، إذ قد يتصور أن فكرة الغلوّ والتفويض هي أقرب إلى القميين من البغداديين ، وذلك لوضوح الارتفاع في مرو ياتهم عن الأئمّة ، في حين أنّ الأمر ينعكس فيما يقال عن البغداديين ـ أو قل عن غير القميين ـ أنّهم غلاة!!
فقد ذكر الصفار في كتابه أحاديث كثيرة فيما أخذ اللّه من مواثيقَ لأئمّة آل محمد (١) ، وأن رسول اللّه والأئمّة يعرفون ما رأوا في الميثاق (٢) ، وأنّ اللّه خلق طينة شيعة آل محمد من طينتهم (٣).
وقد روى كذلك ١٦ حديثا في أنّهم يعرفون رجال شيعتهم وسبب ما يصيبهم ، و ١٢ حديثا في أنّهم يحيون الموتى ويبرؤون الأكمه والأبرص بإذنه تعالى ، و ١٩ حديثا في أنّ الأئمّة يزورون الموتى وأنّ الموتى يزورونهم ، و ١٤ حديثا في أنّهم يعرفون متى يموتون ويعلمون ذلك قبل أن يأتيهم الموت.
وفي علم الإمام بمنطق الطير والحيوانات ذكر الصفار ٤٣(٤) حديثا في ثلاثة
__________________
(١) بصائر الدرجات : ٩٩ / الجزء الثاني / الباب : ١١.
(٢) بصائر الدرجات : ١٠٠ / الجزء الثاني / الباب : ١٢.
(٣) بصائر الدرجات : ٣٦ / الباب : ٩.
(٤) انظر الجزء السابع / الباب ١٤ و ١٥ و ١٦ من صفحة ٣٤١ إلى ٣٥٤.