أثناء الكتاب بما وعد به في أوّله ، وذلك ظاهر عند كلّ من لاحظ الفقيه ، فإنّه كثيرا ما يورد خبرا ويفتي بخلافه ، والعدول عن القول في كتب العلماء أمر شائع ذائع (١) ؛ مع أنّ كلامه غير صريح ـ بل ولا ظاهر ـ فيما حاول المحدّثون إثباته ، بل هو ظاهر أو صريح في الإخبار عن الفتوى (٢) ، لأنّ معرفة صحة الحديث كمعرفة الحكم الشرعي من المسائل الاجتهاديّة ، فكما أنّ فتوى الفقيه ليس حجّة إلاّ في إثبات أنّ رأيه ذلك ، فيثمر ذلك بالنسبة إلى مقلّديه في العمل به ، وبالنظر إلى غيره في تحصيل الشهرة ونحوه ، فكذا الإخبار عن صحّة الحديث ظاهر في بيان اعتقاده الاجتهادي فيما بينه وبين ربّه.
وأيضا ؛ كون ما فيها مأخوذا من الكتب المشهورة التي عليها المعوّل في الرجوع إليها عند الاحتياج إلى خبر لا يقضي بأنّ جميع ما فيه متّفق على جواز العمل به ، بل المراد أنّ تلك الكتب يعوّل عليها من حيث صدق ما ذكروه من الأسانيد وإن كان ضعيفا ، فمعناه التعويل على النسبة ؛ ضرورة أن التعويل على كلّ كتاب ليس إلاّ تصديقه فيما أنشأ به ، ولم ينشىء إلاّ أنّ هذا الخبر رواه
__________________
(١) ويمكن توجيه هذا بأنّه مدفوع بكونه من قبيل التخصيص ، فلا ينافي قطعية صدور غير هاتين الطائفتين لهما.
(٢) يمكن أن يقال هنا : إنّ كلام الفقيه صريح في أنّ مراده حجية جميع ما يورده فيه.
وفيه : أنّ الصحة غير العلم بالصدور أوّلا ، ولو سلّمنا فهو لا يفيد القطع لنا ، بل غاية دعواه حصوله له فيكون شخصيا كما لا يخفى.