وبعد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآله كان المشير على عمر بإنفاذ العساكر والمقام بالمدينة فرجع إلى رأيه (١). لما جرى الحديث في أخذ
__________________
(١) ابن ابي الحديد في شرح النهج : ٩ / ٩٦.
في شرحه لخطبة أمير المؤمنين رقم (١٤٦) عند قوله عليهالسلام ان هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا بقلة ، الى آخره قال : واعلم أن هذا الكلام قد اختلف في الحال التي قاله فيها لعمر ، فقيل : قاله له في غزاة القادسية وقيل في غزاة نهاوند والى هذا القول الأخير ذهب محمد بن جرير الطبري في ( التاريخ الكبير ) والى القول الأول ذهب المدائني في كتاب ( الفتوح ).
( الى ان قال ) فاما وقعة القادسية فكانت في سنة أربع عشرة للهجرة ، استشار عمر المسلمين في أمر القادسية ، فأشار عليه علي بن أبي طالب ـ في رواية ابي الحسن علي بن محمد بن سيف المدائني ـ الا يخرج بنفسه ، وقال : انك ان تخرج لا يكن للعجم همة الاّ استئصالك ، لعلمهم انك قطب رحا العرب ، فلا يكون للاسلام بعدها دولة ، وأشار عليه غيره من الناس ان يخرج بنفسه ، فأخذ برأي علي ٧.
( الى أن قال ) فاما وقعة نهاوند فان أبا جعفر محمد بن جرير الطبري ذكر في كتاب التاريخ ان عمر لما أراد أن يغزو العجم وجيوش كسرى وهي مجتمعة بنهاوند ، استشار الصحابة فقام عثمان فتشهد ( الى ان قال ) فقال علي بن ابي طالب ٧ : أما بعد فان هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا قلة ، انما هو دين الله الذي أظهره ، وجنده الذي أعزه وأمدّه بالملائكة ، حتى بلغ ما بلغ ، فنحن على موعود من الله ، والله منجز وعده ، وناصر جنده ، وان مكانك منهم مكان النظام من الخرز ، يجمعه ويمسكه فان انحل تفرق ما فيه وذهب ، ثم لم يجتمع بحذافيره أبدا ، والعرب اليوم وان كانوا قليلا ، فانهم كثير عزيز بالاسلام اقم مكانك واكتب الى أهل الكوفة ، فانهم أعلام العرب ورؤساءهم وليشخص منهم الثلثان ، وليقم الثلث ، واكتب الى أهل البصرة ان يمدوهم ببعض من عندهم ولا تشخص الشام ولا اليمن ، انك ان أشخصت أهل الشام من شامهم ، سارت الروم الى ذراريهم ، وان أشخصت أهل اليمن من يمنهم سارت الحبشة الى ذراريهم ، ومتى شخصت من هذه الأرض انتقضت عليك العرب من أقطارها وأطرافها ، حتى يكون ما تدع وراءك أهم اليك مما بين يديك من العورات والعيالات ، ان الأعاجم أن ينظروا اليك غدا قالوا : هذا أمير العرب وأصلهم ، فكان ذلك أشد لكلبهم عليك. وأما ما ذكرت من مسير القوم فان الله هو أكره لسيرهم منك ، وهو أقدر على تغيير ما يكره ، وأما ما ذكرت من عددهم فانا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة ، وانما كنا نقاتل بالصبر والنصر.
فقال عمر : اجل ، هذا الرأي ... الى آخره.