عنهم عند القنوط منهم فيكون وقوعها بهم موعظة وكشفها عنهم رحمة وقد أنكرت المنانية من المكاره والمصائب التي تصيب الناس فكلاهما يقول إن كان للعالم خالق رءوف رحيم فلم تحدث فيه هذه الأمور المكروهة والقائل بهذا القول يذهب إلى أنه ينبغي أن يكون عيش الإنسان في هذه الدنيا صافيا من كل كدر ولو كان هكذا كان الإنسان يخرج من الأشر (١) والعتو (٢) إلى ما لا يصلح في دين ولا دنيا كالذي ترى كثيرا من المترفين ومن نشأ في الجدة والأمن يخرجون إليه حتى أن أحدهم ينسى أنه بشر وأنه مربوب أو أن ضررا يمسه أو أن مكروها ينزل به أو أنه يجب عليه أن يرحم ضعيفا أو يواسي فقيرا أو يرثي لمبتلى أو يتحنن على ضعيف أو يتعطف على مكروب فإذا عضته المكاره ووجد مضضها اتعظ وأبصر كثيرا مما كان جهله وغفل عنه ورجع إلى كثير مما كان يجب عليه.
والمنكرون لهذه الأمور المؤذية بمنزلة الصبيان الذين يذمون الأدوية المرة البشعة ويتسخطون من المنع من الأطعمة الضارة ويتكرهون الأدب والعمل ويحبون أن يتفرغوا للهو والبطالة وينالوا كل مطعم ومشرب ولا يعرفون ما تؤديهم إليه البطالة من سوء النشو والعادة ، وما تعقبهم الأطعمة اللذيذة الضارة من الأدواء والأسقام وما لهم في الأدب من الصلاح وفي الأدوية من المنفعة وإن شاب ذلك بعض الكراهة ،
__________________
(١) الاشر : البطر.
(٢) العتو ـ بالضم ـ الاستكبار وتجاوز الحد.