فإن قالوا : فلم لم يكن الإنسان معصوما من المساوي ، حتى لا يحتاج إلى أن تلذعه هذه المكاره قيل : إذا كان يكون غير محمود على حسنه يأتيها ، ولا مستحقا للثواب عليها. فإن قالوا : وما كان يضره أن لا يكون محمودا على الحسنات مستحقا للثواب ، بعد أن يصير إلى غاية النعيم واللذات؟ قيل لهم : اعرضوا على امرئ صحيح الجسم والعقل ، أن يجلس منعما ، ويكفى كلما يحتاج إليه بلا سعي ولا استحقاق ، فانظروا هل تقبل نفسه ذلك بل ستجدونه بالقليل مما يناله بالسعي والحركة أشد اغتباطا وسرورا منه بالكثير مما يناله بغير الاستحقاق وكذلك نعيم الآخرة أيضا يكمل لأهله بأن ينالوه بالسعي فيه والاستحقاق له فالنعمة على الإنسان في هذا الباب مضاعفة ، فإن أعد له الثواب الجزيل على سعيه في هذه الدنيا وجعل له السبيل إلى أن ينال ذلك بسعي واستحقاق فيكمل له السرور والاغتباط بما يناله منه .. فإن قالوا : أوليس قد يكون من الناس من يركن إلى ما نال من خير ، وإن كان لا يستحقه ، فما الحجة في منع من رضي أن ينال نعيم الآخرة على هذه الجملة؟ قيل لهم : إن هذا باب لو صح للناس لخرجوا إلى غاية الكلب (١) والضراوة على الفواحش ، وانتهاك المحارم ، فمن كان يكف نفسه عن فاحشة أو يتحمل المشقة في باب من أبواب البر لوثق بأنه
__________________
(١) في الأصل المطبوع الكلبة. ولا معنى للفظ هنا ، والصحيح ما ذكرناه اذ الكلب ـ بفتحتين ـ هو داء يشبه الجنون يأخذ الكلاب فتعض الناس فتكلب الناس أيضا إذا تمنعوا عن استعمال لقاح الطبيب الفرنسي المعروف باستور.