وهكذا تبين لنا ان الثقافة اليونانية انتشرت في العصر الاموي في كثير من الحواضر العربية ، كالشام والاسكندرية والعراق ، وامتزج العلماء السريانيون بالولاة الحاكمين من الامويين ، فكان لذلك اثر كبير في تزاوج عقول المسلمين ، وتفتحها على آفاق ـ تكاد تكون بعيدة ـ من المعرفة والعلم .. ومن يرجع إلى فهرست ابن النديم ، وإلى الكتب التاريخية الأخرى ، ويتصفح ما فيها من أسماء المؤلفات المترجمة من السريانية واليونانية ، يجد ان لرجال الدولة الاموية قسطا وفيرا في امتداد العقل العربى ، واتصاله بالعقول المثقفة الأخرى.
وما كان تمضي على سقوط الدولة الاموية في الشام ثمانون سنة ، إلا وكان بين يدي العرب مترجمات من كثير مما كتب ارسطو ، وتعليقات الذين اشتهروا من رجال « الافلاطونية الجديدة » وقسم من كتب أفلاطون ، والجزء الأكبر من كتب جالينوس ، وأجزاء أخر نقلت عن كتب الاطباء ، وطائفة غيرها من كتب اليونانيين وكتب الهند وفارس (١).
ويقسم المؤرخون أدوار الترجمة في العهد العباسي إلى ثلاثة أقسام ، يهمنا هنا ذكر اولها ، وهو يبتدأ من خلافة المنصور ، وينتهى بعهد هارون الرشيد أي من عام ١٣٦ ه إلى عام ١٩٣ ه.
وفي هذا الدور ترجم كتاب كليلة ودمنة (٢) من الفارسية ،
__________________
(١) تاريخ الفكر العربي لإسماعيل مظهر ص ٢٧ ـ ٢٨.
(٢) ترجمه ابن المقفع ، انظر الكلام عن الكتاب ـ ضحى الإسلام لأحمد أمين ج ١ ص ٢١٦ ـ ٢٢٢ ط الثانية.