على انتزاع البيعة منه ، وبما عُرف عنه من شهامة ومناقبية ، اختار المواجهة والثورة ورفع شعارا تعبويا هو : « هيهات منا الذلة » (١) ، وقرر الخروج من المدينة المنورة خوفا على ثورته من أن يُقضى عليها وهي في المهد ، وتوجه في أول الأمر إلى مكة المكرمة لثلاث مضين من شعبان سنة ستين للهجرة ، واختار في مسيره الطريق العام ، ولم يسلك الطرق الفرعية الوعرة ، مما يغلب على الظن بأن الحسين عليهالسلام كان يبتغي إعلان دعوته على الرأي العام ، وهذا الأمر لا يتحقق على الوجه الأكمل لو سلك الطرق الجانبية التي قد تُؤمّن له الاستتار لا غير.
يروي الشيخ المفيد قدسسره « أنّ الحسين عليهالسلام سار إلى مكّة ولزم الطّريق الأعظم ، فقال له أهل بيته : لوتنكّبتَ الطريق الأعظم كما صنع ابن الزبير لئلاّ يلحقك الطّلب؟ فقال : لا واللّه لا أُفارقه حتى يقضي اللّه ما هو قاض » (٢). وفي رواية أنّه عليهالسلام قال لهم : « أتخافون الطلب؟ قالوا : أجل! فقال الحسين عليهالسلام : لن أحيد الطريق حذر الموت » (٣).
وأيضا سلك الطريق العام لما خرج قاصدا العراق ، علما بأنّ السلطات الحاكمة أرادت منعـه من الخروج من مكّة ، قالوا : « لمّا خرج من مكّة اعترضه صاحب شرطة أميرها ، عمرو بن سعيد بن العاص في جماعة من الجند ، فقال : إنّ الأمير يأمرك بالانصراف ، فانصرف ،
__________________
(١) تحف العقول / الحرّاني : ٥٨ ١٤٠٤ه ، الاحتجاج ٢ : ٢٤.
(٢) الإرشاد ٢ : ٣٥.
(٣) مقتل الحسين / أبو مخنف : ٢٥.