درست القيادة الأموية في الشام الموقف من جميع جوانبه ، فقد عقد يزيد ابن معاوية مجلسا استشاريا بحضور أحد كبار مستشاريه ويدعى سرجون النصراني ، وكان الأخير قد أشار على يزيد برأي أبيه معاوية ، وهو أن يولّي عبيد اللّه بن زياد والي البصرة آنذاك على المِصرين ـ البصرة والكوفة (١) ـ وذلك لما عُرف عنه من قسوة متناهية وسعة حيلة ، فأصدر يزيد بن معاوية أمرا عسكريا مقتضبا إلى عبيداللّه بن زياد تقدح عباراته نارا وشَرَرا ، ومما جاء فيه : « فسر حين تقرأ كتابي الكوفة ، فتطلب ابن عقيل طلب الخرزة حتى تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه ، والسلام » (٢). وفي رواية الطبري : « وكتب إليه أن يطلب مسلم بن عقيل فيقتله إن وجده » (٣).
لقد وجدت القيادة الأموية بأنّ مرور الوقت ليس في مصلحتها ، فكل تأخير أو تهاون سوف يؤدي إلى وصول الحسين عليهالسلام إلى العراق ، ومن يُهيمن على هذا البلد الحيوي فسوف يتمكن من تهديد معقل القيادة وخطوط مواصلات الشام ، وربما يجدد العراق على الشام حرب صفين في وقت تخلو أرض الشام من الداهيتين معاوية وابن العاص.
ثمّ إنّ الحسين عليهالسلام أخذ يتعرّض للقوافل التجارية لبني أمية ، وهي ـ كما هو معروف ـ تشكل العصب الاقتصادي للنظام الأموي ، قالوا : « لما فصل الحسين بن علي من مكّة سائرا ، وقد وصل إلى التنعيم (٤) لحق عيرا مقبلة
__________________
(١) الإرشاد ٢ : ٤٢.
(٢) الإرشاد ٢ : ٤٣.
(٣) تاريخ الطبري ٦ : ١٨٠ ، حوادث سنة ستين.
(٤) مكان بالقرب من مكة.