فكتب إليه عمرو بن سعيد كتابا يُمنّيه فيه الصلة ويؤمنه على نفسه ، وأنفذه مع أخيه يحيى بن سعيد ، فلحقه يحيى وعبداللّه بن جعفر بعد نفوذ ابنيه ، ودفعا إليه الكتاب ، وجهدا به في الرجوع ، فقال : إني رأيت رسول اللّه صلىاللهعليهوآله في المنام ، وأمرني بما أنا ماضٍ له ، فقالا له : فما تلك الرؤيا؟ قال : ما حدّثت أحدا بها ، ولا أنا محدِّث أحدا حتى ألقى ربي جلّ وعزّ. فلما أيس منه عبداللّه بن جعفر أمرَ ابنيه عونا ومحمّدا بلزومه والمسير معه والجهاد دونه ، ورجع مع يحيى بن سعيد إلى مكّه (١).
وكان الإمام يصغي بإذن متعاطفة مع الذين نصحوه وأشاروا عليه بعدم الخروج أو بتغيير وجهة المسير ، كان يريد أن يسمع إلى ما يريد الآخرون قوله ، ومن هذه الأقوال انطلقت آراء اتصفت بالحكمة وبعد النظر ، منها رأي ذلك الشيخ الذي أشار عليه بالانصراف عن المسير إلى الكوفة ، وحذّره من النتيجة المأساوية المتوقّعة ، وتساءل ـ محقا ـ لماذا لم يقم أهل الكوفة بالمقدمات المطلوبة ، كالتمرّد على أتباع يزيد ، وتمهيد الأرضية المناسبة للثورة؟! وبذلك يكفوه مؤنة القتال ، يروى أنه « لما سار عليهالسلام من زبالة (٢) حتى مرّ ببطن العقبة ، فنزل فيها ، فلقيه شيخ من بني عِكرمة يقال له عمرو بن لوذان ، فسأله : أين تُريد؟ قال الحسين عليهالسلام :
__________________
(١) الإرشاد / الشيخ المفيد ٢ : ٦٨ ـ ٦٩ ، تحقيق : مؤسّسة آل البيت عليهمالسلام لتحقيق التراث ، الناشر : المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد ، الطبعة الأولى ـ رجب ١٤١٣ ه.
(٢) زبالة : اسم لأحد المنازل على الطريق بين مكّة والمدينة ، نزل فيه الحسين عليهالسلام.