الكوفة. فقال له الشيخ : أنشدك اللّه لما انصرفت ، فواللّه ما تقدم إلاّ على الأسنة وحدّ السيوف ، وإن هؤلاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤونة القتال ووطّؤوا لك الأشياء ، فقدمت عليهم كان ذلك رأيا ، فأما على هذه الحال التي تذكر ، فاني لا أرى لك أن تفعل. فقال له : يا عبد اللّه ، ليس يخفى عليّ الرأي ، ولكن اللّه لا يُغلب على أمره ، ثم قال : واللّه لا يَدَعُونني حتى يستخرجوا هذه العَلقةَ من جوفي ، فإذا فعلوا ذلك سلّط اللّه عليهم من يُذلّهم حتى يكونوا أذلّ فِرَق الأمم » (١).
كان الحسين عليهالسلام ينظر للغيب من وراء ستر رقيق ، ويعلم أن القدر قد رسم له دورا لابد له من القيام به ، ومواجهة الحقيقة المرّة وهي الموت المحقق. يروي الدَّينوري أنّه « لما سار الحسين عليهالسلام من بطن الرمّة (٢) ، لقيه عبداللّه بن مطيع ، وهو منصرف من العراق ، فسلم على الحسين ، وقال له : بأبي أنت وأمي يا بن رسول اللّه ، ما أخرجك من حرم اللّه وحرم جدّك؟ فقال : إنّ أهل الكوفة كتبوا إليَّ يسألوني أن أقدم عليهم لما رجوا من إحياء معالم الحقّ ، وإماتة البدع. قال له ابن مطيع : أنشدك اللّه أن لا تأتي الكوفة ، فواللّه لئن أتيتها لتقتلن. فقال الحسين عليهالسلام : لن يصيبنا إلاّ ما كتب اللّه لنا. ثمّ ودّعه ومضى » (٣).
وروى في مورد آخر : « إنّ عبداللّه بن مطيع استقبل الحسين عليهالسلام ، وهو
__________________
(١) الإرشاد / الشيخ المفيد ٢ : ٧٦ ، تحقيق : مؤسسة أهل البيت لتحقيق التراث.
(٢) مكان قريب من البصرة.
(٣) الأخبار الطوال : ١٨٥ ، دار الفكر الحديث.