اقبلوا نحونا فنظروا إلى النار من ورائنا لئلا يأتونا من خلفنا ، إذ أقبل الينا منهم رجل يركض على فرس ، فلم يكلّمنا حتى مرّ على أبياتنا ، فنظر إلى أبياتنا فإذا هو لا يرى إلاّ حطبا تلتهب النار فيه ، فقفل راجعا. فنادى بأعلى صوته : ياحسين استعجلت النار في الدنيا قبل القيامة ، فقال الحسين : من هذا كأنه شمر بن ذي الجوشن ، فقالوا : نعم أصلحك اللّه هو هو ، فقال : يابن راعية المعزى أنت أولى بها صِليّا » (١).
وفي موقف آخر يكشف أبو مخنف تفاصيل أكثر عن خطة الدفاع التي وضعتها القيادة الحسينيّة عند نشوب المعارك الحربية ، فيقول : « وكان الحسين عليهالسلام أتى بقصب وحطب إلى مكان من ورائهم منخفض كأنه ساقية ، فحفروه في ساعة من اللّيل فجعلوه كالخندق ، ثم ألقوا فيه ذلك الحطب والقصب وقالوا : إذا عَدَوا علينا فقاتلونا ألقينا فيه النار كيلا نؤتى من ورائنا ، وقاتلنا القوم من وجه واحد ، ففعلوا وكان لهم نافعا » (٢).
وأيضا ما رواه أبو مخنف من أن ( جبيرة الكلبي ) وقيل ( ابن حوزة ) قال للحسين عليهالسلام بعد أن وقف بإزاء الخندق : « اتعجلت بالنار في الدنيا قبل الآخرة؟! .. فدعا عليه الحسين عليهالسلام قائلاً : ابشر بالنار ـ أو ـ اللهمّ حُزه إلى النار » (٣).
وكشف لنا الدَّينوري ـ بإيجاز ـ عن الملامح العامّة للأسلوب الميداني
__________________
(١) مقتل الحسين / أبو مخنف : ١١٦ ، الإرشاد ٢ : ٩٦.
(٢) مقتل الحسين / أبو مخنف : ١١٣ ، تاريخ الطبري ٦ : ٢٢٧ ، حوادث سنة إحدى وستين.
(٣) مقتل الحسين / أبو مخنف : ١٢٥ ، الإرشاد ٢ : ١٠٢.