الحسين عليهالسلام وأهل بيته ، يقفون مع قائدهم بكل شجاعة وصمود ، ويواجهون جيشا يمتاز بالتفوق العددي الساحق ، فلم يتعجلوا النصر ، وما أبعده عن قوم يقاتلون في مثل ظروفهم ، وبمثل عددهم ، إنما كانوا يتعجلون الجنّة ، إذ لم يكن لديهم ريب في أنها المنتهى والمصير. أليست هذه الظاهرة النادرة تستحق البحث والنظر من قبل علماء الاجتماع أو من قبل علماء النفس؟
نفر قليل قد رفضوا الباطل ، واختاروا الحق ، ثم مزقوا جدار الصمت ، وجهروا بالمقاومة ، وصمدوا صمودا اسطوريا ، فالذين اتبعوا الإمام الحسين عليهالسلام من غير بني هاشم هم نخبة الأمة الإسلامية ، ولقد وصفهم أحد قادة الجيش الأموي بقوله للجيش : « أتدرون من تقاتلون؟ تقاتلون فرسان أهل المصر ، وتقاتلون قوما مستميتين » (١) ، وقال عنهم الإمام علي عليهالسلام : « ليس مثلهم إلا شهداء بدر » (٢).
فالذين اتبعوا الإمام الحسين عليهالسلام ونالوا شرف الشهادة بين يديه ، نماذج بشرية عجيبة حقا ، حللت واقعها تحليلاً دقيقا ، وأصغت لنبيها وهو يأمرها بنصر الحسين عليهالسلام ، فاختارت ما اختارت بقلوب راضية مطمئنة.
لقد طلب الحسين عليهالسلام إرجاء القتال ليجعل أهله وأصحابه في حلٍّ من كل التزاماتهم تجاهه ، ومن أجل ذلك جمعهم تحت جنح الظلام ، وقال لهم بعد أن حمد اللّه وأثنى عليه : « أما بعد ، فاني لا أعلم أصحابا أوفى من
__________________
(١) الارشاد ٢ : ١٠٣.
(٢) راجع : اُسدالغابة / ابن الأثير ١ : ١٢٣ و٣٤٩ ، الإصابة / ابن حجر ١ : ٦٨.