ربّه ـ في التكفير عن خطئه ، تاركا أمر المسلمين للمسلمين ، بل إنه أمعن في تحويل الإسلام إلى ملك عضوض ، فأخذ البيعة ليزيد كولي عهد له .. انتزعها بالذهب وبالسيف ، ثم هاهو يزيد يتربع على عرش أبيه بعد وفاته ، فيهمل أمر المسلمين ، ويعكف على اللّهو بفهوده وقروده حتى يُلقب بـ ( يزيد القرود )! .. ثم يسلط قواده ورجاله على العباد ويستبيح البلاد ، ويرسل إلى الأصحاب والأشراف من أجل مبايعته!
رفض الإمام الحسين عليهالسلام طلب البيعة الذي تقدم به ( الوليد بن عتبة ) أمير المدينة ، وخرج من المدينة هو وبعض أقطاب المعارضة كعبد اللّه بن الزبير وتوجه إلى مكة ، وهناك في الحرم الآمن أحس بعدم الأمن ، وخشي على الكعبة المشرفة من أن تُنتهك حرمتها بقتله واغتياله ، لذلك خرج يريد العراق بناءً على الكتب المرسلة إليه من أهله ، التي تدعوه إلى القدوم ، وتعده بالسمع والطاعة.
أدرك أصحاب الحسين عليهالسلام عدالة قضيته ، وأنه حين خرج إلى الكوفة لم يكن طالبا لدنيا ولا جاه ، وإنما كان مستجيبا لسلطان الإيمان الذي لا يعطى ولا يُغلب. لقد رأى القائد ( الحسين عليهالسلام ) وصحبه ( الجند ) أن الإسلام بكل قيمه الغالية وأمجاده العالية ، يتعرض لمحنة قاسية يفرضها عليه بيت أبي سفيان ، ورأى الحسين عليهالسلام ويشاركه في هذه الرؤية جنده أن خطيئة الصمت والسكوت تجتاح السواد الأعظم من الناس رغبةً ورهبةً أحيانا. وقد وعى الأصحاب جيدا المستجدات ، لما امتازوا به من وضوح في الرؤية ، فصمموا على اختيار الخيار الأصعب ، المتمثل بالانضمام إلى جبهة الحسين عليهالسلام الذي أعلن هدفه ـ منذ البداية ـ وبدون لبس أمام الناس.