وبعد أن تبين للأصحاب الخيط الأبيض من الأسود من التطورات السياسية ، التي عصفت بالساحة الإسلامية آنذاك ، باتوا على يقين بأن الحسين عليهالسلام هو القائد الرّباني الجدير بالخلافة ، وأن يزيد رجل شهواني مغامر يتستر خلف سواتر الدين من أجل تأمين البقاء في السلطة ، لذلك اندفعوا إلى آخر الشوط مع قيادتهم الحقة ، ولم يكتفوا بالشجب والاستنكار ، في وقت كان السكوت فيه من ذهب ، وقد سكت البعض
سكوت الأموات ، في هذا الوقت العصيب سارع الأصحاب بالالتحاق بقائدهم الحسين عليهالسلام بعد أن تيقنوا من عدالة قضيته ، وقاتلوا بجنبه حتى آخر رمق ، وأفضل شاهد على ذلك الطراز من الجُند ( زهير بن القين ) الذي التقى بالإمام عليهالسلام في مكان يُدعى ( زرود ) حيث أبصر الإمام فسطاطا مضروبا ، فسأل عنه فعلم أنه لـ ( زهير بن القين ) فأرسل في طلبه ، فتثاقل أول الأمر ، ثم ذهب إلى لقائه ضَجِرا .. وحين التقيا أسرَّ الحسين عليهالسلام إليه حديثا ، لم يكد الرجل يسمعه حتى تهلَّل وجهه ، وامتلأ غبطة وبشرا ، ثم سارع فنقل فسطاطه إلى جوار فسطاط الحسين عليهالسلام ، وقال لمن كان معه من أهله : « من أحبَّ منكم أن يتبعني ، وإلاَّ فإنه آخر العهد بيننا » (١). ثم التفت إلى زوجته وقال لها : « أما أنت ، فالحقي بأهلك ، فإني لا أحب أن يصيبك بسببي سوء » (٢) ، وانصرف أَقرباؤه عائدين إلى موطنهم ، مصطحبين معهم
__________________
(١) انظر : روضة الواعظين : ١٧٨ ، وقريب منه في تاريخ الطبري ٦ : ٢١٠ ، حوادث سنة إحدى وستين.
(٢) انظر : الإرشاد ٢ : ٧٣.