أقول : ما ذكره ـ طاب ثراه ـ من فساد القول بثبوت القول بثبوت الوضع للمركّبات حقّ لا شك فيه ، وإن أمكن القول بالوضع لها فإنما هو في المعاني التي تستفاد من الكلام ولا تقوم مفرداته بالدلالة عليها ، كالحصر المستفاد من تقديم الضمير على الفعل في قوله تعالى : ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ )(١) ونحو ذلك ممّا تكفّل علم المعاني بيانه ، وذلك بمعزل عما يرومه القائل بثبوت المجاز المركّب.
نعم ما وضعت المفردات إلاّ لأن يتركّب منها الكلام ، وتفيد فائدة تامة في ضمنه ، كما أنّ حروف الهجاء ما عيّنت إلاّ لأن تتركب منها الكلمات ، ولكن أين يقع هذا مما يرومه هذا القائل من إثبات الوضع للمركّبات وضعا مستقلا مباينا لوضع مفرداته بحيث تكون نسبة الكلمات إلى المركّب كنسبة حروف الهجاء إليها.
وما ذكره من توجيه هذا القول في قوله : « نعم ، لو قيل .... » إلى آخره ، فيردّه ـ زيادة على ما قرره في تضعيفه ـ أنّ الألفاظ لم توضع إلاّ لبيان ما يريد المتكلم إفهامه المخاطب حقّا كان أم باطلا ، صدقا كان أم كذبا ، وليس في وسعها بيان مطابقة الواقع ، وإنما ذلك وظيفة أمور اخر خارجة عنها من العلم بتحرّز المتكلّم عن الكذب وعدم اتّهامه بالخطإ فيما يخبر عنه ، وقد سبق بيان ذلك مفصّلا في بحث الاستعمال.
وأما ما ذكره قبل ذلك لتصوير المجاز في المركّب فغامض جدّاً ، بل لا أعرف لظاهره وجها أصلا ، إذ ليس المركّب إلاّ مجموع تلك المفردات بعينها ، ولا وجود له وجودا مستقلا عنها كما اعترف به في قوله : « فإنّ كلّ مفرد من المفردات ... » إلى آخره ، فإذا انتفى الوضع انتفى الاستعمال لأنه فرع الوضع ، وليس وراء المفردات شيء آخر حتى يستعمل في معنى آخر ، فإذا قلت : زيد قائم ـ مثلا ـ فكلّ من المسند والمسند إليه يدلّ بحكم الوضع على معناه ويدل النسبة اللفظية
__________________
(١) الفاتحة : ٥.