ذكر شيخنا شيخ الشريعة قدسسره أن المراد بذلك جعل العصير في التنور السخن لأجل أن يغلي بالنار حتى لا ينش من قبل نفسه. ويبعّده أوّلاً : أن جعله في التنور السخن قليلاً لا يوجب غليانه لقلة مكثه فيه. وثانياً : أن مراده عليهالسلام لو كان غليانه بالنار لعبّر عنه بعبارة أخصر كقوله فأغله ، ولم يكن يحتاج إلى قوله : « جعلته في تنور سخن قليلاً » على طوله. وثالثاً : أن ظاهر الرواية أنه عليهالسلام يريد أن يتحفّظ على العصير من نشيشه من دون أن يغلي ، فما وجّه به الرواية مما لا يمكن المساعدة عليه.
والصحيح في وجه ذلك أن يقال : إن العصير أو غيره من الأشربة أو الأطعمة القابلة لأن يطرأ عليها الضياع والحموضة إذا أصابته الحرارة بكم خاص منع عن فسادها ، ولما طرأت عليها الحموضة بوجه فلا يسقط عن قابلية الانتفاع بها بأكلها أو بشربها ، فلو جعلت طعاماً على النار مثلاً في درجة معينة من الحرارة ترى أنه يبقى أياماً بحيث لو كان بقي على حاله من غير حرارة لفسد من ساعته أو بعد ساعات قلائل كما في الصيف. وقد ذكر المستكشفون العصريون في وجه ذلك أن الفساد إنما يطرأ على الطعام أو الشراب من جهة الميكروبات الداخلة عليهما التي تتكون في الجو والهواء ، بحيث لو ابقي ذلك الطعام أو الشراب على الحرارة في درجة معينة أعني درجة الستين وماتت المكروبات الطارئة عليهما بتلك الحرارة لم يطرأ عليهما الحموضة والفساد من غير أن يصل إلى درجة الغليان ، لأنّ الحرارة إنما تولد الغليان في درجة المائة. هذا على أن ما ادعيناه وعرفته مما أثبتته التجربة وهي أقوى شاهد عليه سواء قلنا بمقالة العصريين أم أنكرنا وجود المكروب من رأس ، وعليه فغرضه عليهالسلام من الأمر بجعل العصير في تنور سخن إنما هو التحفظ من أن تعرضه الحموضة والفساد لمكان حرارة التنور من غير أن يبلغ درجة الغليان ، هذا كلّه في فقه الحديث.
وأمّا الاستدلال به على التفصيل المدعى ففيه أوّلاً : أنّ الرواية ضعيفة بحسب السند ، لأنّ الراوي عن علي بن الحسن في السند لم يعلم أنه محمّد بن يحيى أو أنه رجل ومحمّد بن يحيى يروي عن ذلك الرجل ، وحيث إن الرجل مجهول فتصبح الرواية