مثلاً ورأى الثاني إباحته وارتكبه حيث يصح أن يقال حينئذ إن المجتهد الثاني ارتكب كبيرة وزعم أنها حلال ، وكذا الحال فيما إذا بنى على صحّة النِّكاح بالفارسية وعقد بها ورأى الآخر بطلانه فإنه حينئذ ارتكب كبيرة وزعم أنها حلال حيث حلّل ما قد حرّمه الشارع واقعاً ، فالأخذ بإطلاق الصحيحة غير ممكن فلا مناص من تقييدها بأحد أمرين :
فامّا أن نقيدها بالضروري بأن يكون ارتكاب الكبيرة موجباً للارتداد في خصوص ما إذا كان الحكم ضرورياً ، وإمّا أن نقيدها بالعلم بأن يقال : إن ارتكاب الكبيرة والبناء على حليتها مع العلم بأنها محرمة يوجب الكفر دون ما إذا لم تكن حرمتها معلومة ، وحيث إن الرواية غير مقيدة بشيء وترجيح أحد التقييدين على الآخر من غير مرجح ، فلا محالة تصبح الرواية في حكم المجمل وتسقط عن الاعتبار بل يمكن أن يقال : التقييد بالعلم أرجح من تقييدها بالضروري لأنّه المناسب للفظة الجحود الواردة في الطائفة الثانية كما مرّ.
كذا نوقش في دلالة الصحيحة إلاّ أن المناقشة غير واردة لعدم دوران الأمر بين التقييدين المتقدمين ، بل المتعين أن يتمسك بإطلاقها ويحكم بكفر مرتكب الكبيرة إذا زعم أنها محللة بلا فرق في ذلك بين الأحكام الضرورية وغيرها ولا بين موارد العلم بالحكم وعدمه.
ثم إن الالتزام بالكفر والارتداد إذا لم يصح في بعض هذه الأقسام أخرجناه عن إطلاقها ويبقى غيره مشمولاً للرواية لا محالة ، ولا نرى مانعاً من الالتزام بالارتداد في شيء من الأقسام المتقدمة بمقتضى إطلاق الصحيحة إلاّ في صورة واحدة وهي ما إذا كان ارتكاب الكبيرة وزعم أنها حلال مستنداً إلى الجهل عن قصور كما في المجتهدين والمقلدين ، حيث إن اجتهاد المجتهد إذا أدى إلى إباحة حرام واقعي فلا محالة يستند ارتكابه لذلك الحرام إلى قصوره لأنه الذي أدى إليه اجتهاده وكذا الكلام في مقلديه فلا يمكن الالتزام بالكفر في مثلهما وإن ارتكبا الكبيرة بزعم أنها حلال ، كيف وقد يكون المجتهد المخطئ من الأوتاد الأتقياء فالالتزام بالارتداد حينئذ غير ممكن ، وأما في غيره من الصور فلا مانع من التمسك بإطلاق الصحيحة والحكم بكفر مرتكب