لصفته حد محدود ، ولا نعت موجود ، ولا وقت معدود ، ولا أجل ممدود فطر الخلائق بقدرته ، ونشر الرياح برحمته ، ووتد بالصخور مَيَدَان أرضه . .
أول الدين معرفته ، وكمال معرفته التصديق به ، وكمال التصديق به توحيده ، وكمال توحيده الإخلاص له ، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه ، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف ، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة ، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه ، ومن قرنه فقد ثناه ، ومن ثناه فقد جزأه ، ومن جزأه فقد جهله ، ومن جهله فقد أشار إليه ، ومن أشار إليه فقد حده ، ومن حده فقد عده ، ومن قال فيم فقد ضمنه ، ومن قال علام فقد أخلى منه .
كائن لا عن حدث ، موجود لا عن عدم ، مع كل شئ لا بمقارنة ، وغير كل شئ لا بمزايلة ، فاعل لا بمعنى الحركات والآلة ، بصير إذ لا منظور إليه من خلقه ، متوحد إذ لا سكن يستأنس به ، ولا يستوحش لفقده .
أنشأ الخلق إنشاء ، وابتدأه ابتداء ، بلا رَوِيَّةً أجالها ، ولا تجربة استفادها ، ولا حركة أحدثها ، ولا همامة نفس اضطرب فيها ، أحال الأشياء لأوقاتها ، ولاءم بين مختلفاتها ، وغرز غرائزها ، وألزمها أشباحها ، عالماً بها قبل ابتدائها ، محيطاً بحدودها وانتهائها ، عارفاً بقرائنها وأحنائها .
ثم أنشأ سبحانه فتق الأجواء ، وشق الأرجاء ، وسكائك الهواء ، فأجرى فيها ماء متلاطماً تياره ، متراكماً زخاره ، حمله على متن الريح العاصفة ، والزعزع القاصفة ، فأمرها برده ، وسلطها على شده ، وقرنها إلى حده ، الهواء من تحتها فتيق ، والماء من فوقها دفيق .
ثم أنشأ سبحانه ريحاً
اعتقم مهبهاً ، وأدام مربها ، وأعصف مجراها ، وأبعد منشاها ، فأمرها بتصفيق الماء الزخار ، وإثارة موج البحار ، فمخضته مخض السقاء ، وعصفت به عصفها بالفضاء ، ترد أوله إلى آخره ، وساجيه إلى مائره ، حتى عب عُبَابُه ، ورمى بالزبد ركامه ، فرفعه في هواء منفتق ، وجو منفهق ، فسوى منه سبع