اللون كأنه من متهودة اليمن فقال : يا أمير المؤمنين صف لنا خالقك وانعته لنا كأنا نراه وننظر إليه ، فسبح علي عليهالسلام ربه وعظمه عز وجل وقال :
الحمد لله الذي هو أول بلا بدء مما ، ولا باطن فيما ، ولا يزال مهما ، ولا ممازج مع ما ، ولا خيال وهما ، ليس بشبح فيرى ، ولا بجسم فيتجزى ، ولا بذي غاية فيتناهى ، ولا بمحدث فيبصر ، ولا بمستتر فيكشف ، ولا بذي حجب فيحوى .
كان ولا أماكن تحمله أكنافها ، ولا حملة ترفعه بقوتها ، ولا كان بعد أن لم يكن ، بل حارت الأوهام أن تكيف المكيف للأشياء ومن لم يزل بلا مكان ، ولا يزول باختلاف الأزمان ، ولا ينقلب شاناً بعد شان .
البعيد من حدس القلوب ، المتعالي عن الأشياء والضروب ، والوتر علام الغيوب ، فمعاني الخلق عنه منفية ، وسرائرهم عليه غير خفية ، المعروف بغير كيفية ، لا يدرك بالحواس ، ولا يقاس بالناس ، ولا تدركه الأبصار ، ولا تحيط به الأفكار ، ولا تقدره العقول ، ولا تقع عليه الأوهام ، فكل ما قدره عقل أو عرف له مثل فهو محدود ، وكيف يوصف بالأشباح ، وينعت بالألسن الفصاح ، من لم يحلل في الأشياء فيقال هو فيها كائن ، ولم ينأ عنها فيقال هو عنها بائن ، ولم يخل منها فيقال أين ، ولم يقرب منها بالإلتزاق ، ولم يبعد عنها بالإفتراق ، بل هو في الأشياء بلا كيفية ، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد ، وأبعد من الشبه من كل بعيد .
لم يخلق الأشياء من أصول أزلية ، ولا من أوائل كانت قبله بدية ، بل خلق ما خلق ، وأتقن خلقه ، وصور ما صور ، فأحسن صورته ، فسبحان من توحد في علوه ، فليس لشئ منه امتناع ، ولا له بطاعة أحد من خلقه انتفاع ، إجابته للداعين سريعة ، والملائكة له في السماوات والأرض مطيعة ، كلم موسى تكليماً بلا جوارح وأدوات ، ولا شفة ولا لهوات ، سبحانه وتعالى عن الصفات ، فمن زعم أن إلۤه الخلق محدود ، فقد جهل الخالق المعبود . . . . والخطبة طويلة أخذنا منها موضع الحاجة . . انتهى .
وقد تقدم في الفصل الأول رده على كعب الأحبار في مجلس الخليفة عمر .