وبهذا نفهم سبب احترامه لكعب الأحبار ووهب بن منبه وعبد الله بن سلام . . وأمثالهم من اليهود الذين أعلنوا دخولهم في الإسلام . . وتميم الداري وأمثاله من النصارى الذين دخلوا في الإسلام . . وكذا ثقته بما عند علماء اليهود والنصارى من كتب وتاريخ وتنبؤات واستنتاجات عن المستقبل !
وينبغي للباحث في هذا الموضوع أن يعرف المقومات الأساسية لشخصية الخليفة عمر . . فهو أولاً ، عربي معتز بقوميته إلى حد أنه يرى أن المخاطب بقوله تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا . . ) هم العرب خاصة ! قال السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ٩٨ ( وأخرج ابن مردويه عن عمر بن الخطاب إن هذه الآية في الحجرات . إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ، هي مكية وهي للعرب خاصة . الموالي أي قبيلة لهم وأي شعاب ؟ وقوله : إن أكرمكم عند الله أتقاكم ، قال : أتقاكم للشرك ) .
وعلى تفسير الخليفة فإن الآية لا تساوي بين العرب وغيرهم كما فهم منها المسلمون . ولعله لذلك أفتى بأنه لا ملك على عربي وبأن العرب لهم أن يتزوجوا من الأمم الأخرى ولكن ليس لهم أن يزوجوهم ، لأن العربية لا كفؤ لها إلا العربي . . إلى آخر فتاواه وقراراته في هذا المجال .
وهو ثانياً : قرشي يحب قريش ويعتز بها اعتزازاً شديداً . . حتى بالطلقاء وقادة الأحزاب بعد انهزامهم وإسلامهم . . فيقول عن معاوية : كسرى العرب ، وعن أبي سفيان : سيد العرب ! بل يثقل عليه يوم فتح مكة أن يدخل أنصاري براية النبي صلىاللهعليهوآله وهو يتحدى قادة الأحزاب من قريش . . فقد روى البيهقي في سننه ج ١٠ ص ٢٢٨ . . . . عن أنس قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فقام أهلها سماطين ينظرون إلى رسول الله وإلى أصحابه ، قال وابن رواحة يمشي بين يدي رسول الله ، فقال ابن رواحة :
خلوا بني الكفار عن سبيله |
|
فاليوم نضربكم على تنزيله |
ضرباً يزيل الهام عن مقيله |
|
ويذهل اخليل عن خليله |
|
يا رب إني مؤمن بقيله |
|