ثم الجواب الحقيقي أن نقول : الحدوث ينبئ عن موجود مسبوق بعدم والعدم السابق لا يصحح الرؤية ، فانحصر التصحيح في الوجود ، فدل على أن كل موجود صح أن يرى .
ويستدل على جواز الرؤية وأنها ستكون في الجنان وعداً من الله صدقاً وقولاً منه حقاً بقوله تعالى : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ . والنظر إذا عدي بإلى اقتضى رؤية البصر . وإن عارضونا بقوله تعالى : لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ . قلنا : فمن أصحابنا من قال الرب تعالى يرى ولا يدرك فإن الإدراك ينبئ عن الإحاطة ودرك الغاية ، والرب مقدس عن الغاية والنهاية . فإن عارضونا بقوله تعالى في جواب موسى عليهالسلام : لَن تَرَانِي ، فزعموا أن لن تقتضي النفي على التأييد . . . . .
قلنا : هذه الآية من أوضح الأدلة على جواز الرؤية ! فإنها لو كانت مستحيلة لكان معتقد جوازها ضالاً أو كافراً ، وكيف يعتقد ما لا يجوز على الله تعالى من اصطفاه الله تعالى لرسالته واجتباه لنبوته وخصصه بتكريمه وشرفه بتكليمه وجعله أفضل أهل زمانه وأيده ببرهانه ، ويجوز على الأنبياء الريب في أمر يتعلق بعلم الغيب ، أما ما يتعلق بوصف الباري عز وعلا فلا يجوز الريب عليهم ، فيجب حمل الآية على أن ما اعتقد موسى عليهالسلام جوازه جائز ، لكن ظن أن ما اعتقد جوازه ناجزاً فيرجع النفي في الجواب إلى السؤال . وما سأل موسى عليهالسلام ربه رؤية في الدنيا لينصرف النفي إليها ، والجواب نزل على قضية الخطاب . انتهى . وقد تقدم أن موسى عليهالسلام لم يطلب رؤية ذات الله تعالى ، بل طلب أن يريه شيئاً من آياته كأنه ينظر إليه .
ـ وروى السيوطي في الدر المنثور ج ٣ ص ٣٧
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن إسماعيل بن علية ، في قوله : لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ، قال : هذا في الدنيا !
وأخرج ابن جرير وابن
أبي حاتم وابن مردويه عن عكرمة عن ابن عباس قال : إن النبى صلى الله عليه وسلم رأى ربه ، فقال له رجل عند ذلك أليس قال الله : لَّا
تُدْرِكُهُ