صلى الله عليه وسلم خالقه عز وجل ، قد يحتمل بأن يكون معنى قوله : لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ، على ما قال ترجمان القرآن لمولاه عكرمة ذاك نوره الذي هو نوره إذا تجلى بنوره لا يدركه شيء . والمعنى الثاني أي لا تدركه الأبصار أبصار الناس لأن الأعم والأظهر من لغة العرب أن الأبصار إنما تقع على أبصار جماعة ، لا أحسب غريباً يجئ من طريق اللغة أن يقال لبصر امرئ واحد أبصار وإنما يقال لبصر امرئ واحد بصر ، لا ولا سمعنا غريباً يقال لعين امرئ واحد بصران فكيف أبصار ، ولو قلنا : إن الأبصار ترى ربنا في الدنيا لكنا قد قلنا الباطل والبهتان ، فأما من قال إن النبي صلى الله عليه وسلم قد رأى ربه دون سائر الخلق فلم يقل إن الأبصار قد رأت ربها في الدنيا فكيف يكون ـ يا ذوي الحجا ـ من ينفي أن النبي صلى الله عليه وسلم محمداً قد رأى ربه دون سائر الخلق مثبتاً أن الأبصار قد رأت ربها ، فتفهموا يا ذوي الحجا هذه النكتة تعلموا أن ابن عباس رضي الله عنهما وأباذر وأنس بن مالك ومن وافقهم لم يعظموا الفرية على الله ، لا ولا خالفوا حرفاً من كتاب الله في هذه المسألة ! انتهى .
وقد علق على ذلك محقق كتابه وهو الشيخ محمد الهراس من علماء الأزهر ، فقال :
عجباً لإمام الأئمة كيف خانه علمه فتوهم أن المنفي هو إدراك الأبصار له إذا اجتمعت فإذا انفرد واحد منها أمكن أن يراه ! فهل إذا قال قائل لا آكل الرمان ، يكون معنى هذا أنه لا يأكل الحبات منه ولكن يأكل الحبة ! يرحم الله ابن خزيمة فلقد كبا ولكل جواد كبوة .
ـ وقد كان الطبري من أعقلهم في تفسير الآية حيث اعترف بأنه لا مجال للهروب منها ولا بد من الإعتراف بأنها تنفي إمكان الرؤية مطلقاً ، وأن الأخبار المروية في رؤيته تعالى تنافيها ، ولكن لا بد لنا من قبول الأخبار وطرح الآية ! قال في تفسيره ج ٧ ص ٢٠٠ ـ ٢٠٣ :
قالوا فإن قال لنا
قائل : وما أنكرتم أن يكون معنى قوله : لَّا تُدْرِكُهُ
الْأَبْصَارُ
، لا تراه الأبصار ؟ قلنا له : أنكرنا ذلك لأن الله جل ثناؤه أخبر في كتابه أن وجوهاً في
القيامة