أمر ممكن في نفسه ، والمعلق على الممكن ممكن ، لأن معنى التعليق أن المعلق يقع على تقدير وقوع المعلق عليه ، والمحال لا يقع على شئ من التقادير .
ويمكن الجواب عنه بوجوه ، أوجهها أن يقال : التعليق إما أن يكون الغرض منه بيان وقت المعلق وتحديد وقوعه بزمان وشرط ، ومن البيِّن أن ما نحن فيه ليس من هذا القبيل . وإما أن يكون المطلوب فيه مجرد بيان تحقق الملازمة وعلاقة الإستلزام بأن يكون لإفادة النسبة التي بين الشرط والجزاء مع قطع النظر عن وقوع شئ من الطرفين وعدم وقوعه ، ولا يخفى على ذي لب أن لا علاقة بين استقرار الجبل ورؤيته تعالى في نفس الأمر ولا ملازمة . على أن إفادة مثل هذا الحكم وهو تحقق علاقة اللزوم بين هاتين القضيتين لا يليق بسياق مقاصد القرآن الحكيم مع ما فيه من بعده عن مقام سؤال الكليم ، فإن المناسب لما طلب من الرؤية بيان وقوعه ولا وقوعه ، لا مجرد إفادة العلاقة بين الأمرين فالصواب حينئذ أن يقال : المقصود من هذا التعليق بيان أن الجزاء لا يقع أصلاً بتعليقه على ما لا يقع ، ثم هذا التعليق إن كان مستلزماً للعلاقة بين الشرط والجزاء فواجب أن يكون إمكان الجزاء مستتبعاً لإمكان الشرط ، لأن ماله هذه العلاقة مع المحال لا يكون ممكناً على ما هو المشهور من أن مستلزم المحال محال ، وإلا فلا وجه لوجوب إمكان الجزاء . والأول وإن كان شائع الإرادة من اللفظ إلا أن الثاني أيضاً مذهب معروف للعرب كثير الدوران بينهم ، وهو عمدة البلاغة ودعامتها ، ومن ذلك قول الشاعر :
إذا شاب الغراب أتيت أهلي |
|
وصار القار كاللبن الحليب |
ومعلوم أن مشيب
الغراب وصيرورة القار كالحليب لا ملازمة بينهما وبين إتيان الشاعر أهله . ونظيره في الكتاب الكريم كثير كتعليق خروج أهل النار منها على ولوج الجمل في سم الخياط ، وبعيد من العاقل أن يدعي علاقة بينهما ، وإذا كان ذلك التعليق أمراً شائعاً كثير الوقوع في كلامهم فلا ترجيح للإحتمال الأول بل الترجيح معنا ، فإن البلاغة في ذلك ، وأما إذا تحققت العلاقة في الواقع بينهما وعلق عليه