ويرضون وهم مخلوقون مربوبون ، فجعل رضاهم رضا نفسه وسخطهم سخط نفسه ، لأنه جعلهم الدعاة إليه والأدلاء عليه ، فلذلك صاروا كذلك ، وليس أن ذلك يصل إلى خلقه ، لكن هذا معنى ما قال من ذلك ، وقد قال : من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة ودعاني إليها ، وقال : ومن يطع الرسول فقد أطاع الله . وقال : إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم . فكل هذا وشبهه على ما ذكرت لك ، وهكذا الرضا والغضب وغيرهما من الأشياء مما يشاكل ذلك .
ولو كان يصل إلى الله الأسف والضجر وهو الذي خلقهما وأنشأهما ، لجاز لقائل هذا أن يقول : إن الخالق يبيد يوماً ما ، لأنه إذا دخله الغضب والضجر دخله التغيير ، وإذا دخله التغيير لم يؤمن عليه الإبادة ، ثم لم يعرف المكون من المكون ولا القادر من المقدور عليه ، ولا الخالق من المخلوق ، تعالى الله عن هذا القول علواً كبيرا ، بل هو الخالق للأشياء لا لحاجة ، فإذا كان لا لحاجة استحال الحد والكيف فيه ، فافهم إن شاء الله تعالى . انتهى .
أقول : ومما يؤيد تفسير آسفونا في الآية بأنهم آسفوا الأنبياء والأوصياء عليهمالسلام ، أنه تعالى قال ( آسَفُونَا ) بجمع المتكلم ولم يقل آسفوني بالمفرد ، وقد فسرها الإمام عليهالسلام بأن الله تعالى نسب الفعل إلى نفسه لأنهم آسفوا عباده الخاصين ، لأن إغضابهم إغضاب له تعالى .
وهذا يفتح لنا باباً لفهم نسبة الفعل الإلۤهي وقانونها في القرآن ، ومتى يسند الفعل إلى الله تعالى بصيغة المفرد المتكلم ، ومتى يسند بصيغة الجمع ، أو بصيغة الغائب . فإن دراسة الأفعال المسندة إلى الله تعالى في القرآن ، عن طريق إحصائها وتقسيمها وتحليلها ، سيعطينا فوائد متعددة في معرفة أنواع الفعل الإلۤهي ووسائله . ففي كل نوع من صيغ نسبته إلى الله تعالى هدف ، ووراءه قاعدة . .
فبعض الأفعال أسندها
عز وجل إلى نفسه بصيغة المفرد المتكلم وجمع المتكلم والمفرد الغائب ، مثل : أوحيت ، أوحينا ، نوحي ، أوحي . . . . وبعضها أسندها