بشيء ، وله أن لا يأمر ، وقد تقدّم أنّ ما هو خارج عن الاختيار لا يعقل أن يؤخذ قيداً للواجب ، لاستلزامه التكليف بغير المقدور ، فلو اخذ فلا بدّ من أخذه مفروض الوجود ، فإذن عاد المحذور المتقدم.
وقد تحصّل من ذلك : أنّ الاشكال يقوم على أساس أن يكون قصد الأمر مأخوذاً مفروض الوجود ، ولكن عرفت أنّه لا واقع موضوعي له.
فالصحيح في الجواب أن يقال : إنّ لزوم أخذ القيد مفروض الوجود في القضيّة في مقام الانشاء إنّما يقوم على أساس أحد أمرين :
الأوّل : الظهور العرفي كما في قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) فانّ المستفاد منه عرفاً هو لزوم الوفاء بالعقد على تقدير تحققه ووجوده في الخارج رغم كون العقد مقدوراً للمكلف. ومن هذا القبيل وجوب الوفاء بالنذر والشرط والعهد واليمين ، ووجوب الانفاق على الزوجة ، وما شاكل ذلك ، حيث إنّ القيود المأخوذة في موضوعات هذه الأحكام رغم كونها اختيارية اخذت مفروضة الوجود في مقام جعلها بمقتضى المتفاهم العرفي ، فانّ العرف يفهم أنّ النذر الذي هو موضوع لوجوب الوفاء قد اخذ مفروض الوجود فلا يجب تحصيله ، وهكذا الحال في غيره وهذا هو الغالب في القضايا الحقيقية.
الثاني : الحكم العقلي ، ومن الطبيعي أنّ العقل إنّما يحكم فيما إذا كان القيد خارجاً عن الاختيار ، حيث إنّ عدم أخذه مفروض الوجود يستلزم التكليف بالمحال كما في مثل قوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ)(٢) فان دخول الوقت حيث إنّه خارج عن قدرة المكلف واختياره ، لا مناص من
__________________
(١) المائدة ٥ : ١.
(٢) الإسراء ١٧ : ٧٨.