وأيضاً لو لم يكن كذلك لاحتمل عليه الكذب ، وتعالى الله أن يوجب على الخلق طاعة مَن يمكن منه الكذب عليه ، و [ من ] يحكم [ بأن من (١) ] أطاعه أطاع الله. وكلّ من أمكن منه الكذب أمكن منه جميع المعاصي.
وأيضاً المعاصي ظلم ورذائل ، وتعالى الله عن أن يصطفي لرسالته مَن يصدر عنه نوع من الظلم في حين من الأحيان ؛ لمنافاة ذلك لكمال عدله وحكمته وعلمه وقدرته.
وأيضاً فالرسول مستودع سرّ الله تعالى وأمينه على وحيه وخليفته في خلقه ونائبه ووليّه على شرائعه وعلى هداية الخلق إليه ، ولهذا كانت طاعة الرسول طاعة الله تعالى حقيقة ، ومعصيته معصية الله حقيقة ، والأخذ منه وطلب الهداية منه أخذ من الله وطلب من الله حقيقة ، فإنه باب الله الذي فتحه برحمته لعباده ، وسبيله الذي لا يصل إليه غيره إلّا منه ، لضعفهم عن أن ينالوا ما عند الله بأنفسهم من غير واسطة ، كما ينال الرسول ما عنده بواسطة نفسه ، وإلّا لكانوا مثله فلم يحتاجوا إليه ، فيكون إرساله عبثاً ، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.
فإذا عرفت أنه باب الله الذي اختاره برحمته وفتحه لعباده لعلمه بأنه لا أكمل منه فيهم ، وأنه هو أهل ذلك ، فلا ينالون ما عنده إلّا بواسطته ، وأن أمرَه أمرُ الله ، ونهيه نهيه ، وطاعته طاعة الله ، ومعصيته معصيته ، ومحبّته محبّته ، وبغضه بغضه ، وأنه أمين الله وخليفته ومستودع سرّه ومهبط وحيه ، فاعرف من ذلك أن الاستغاثة [ به ] وطلب كشف الضرّ وتفريج الكرب [ منه ] طلب من الله تعالى واستغاثة بالله ، وأن دعوته دعوة الله ؛ لأن طلب حاجة من حاجات الدنيا ليس بأعظم من الهداية إلى سبل رضوان الله ، وقد ائتمنه الله على ذلك ، فكيف بحوائج الدنيا الخسيسة الدنية؟
ولا فرق في ذلك بين كونه حيّاً أو بعد وفاته ، فإن الذي ألبسه ثوب عزّه وقدرته ، وأظهر المعاجز على يده قبل كمال إبلاغ الرسالة لا يجوز عليه أن يسلبه ذلك العزّ
__________________
(١) في المخطوط : ( بمن ).