إلّا إن الأولى في سلوك طريق الاحتياط هو أن يكون الإمام في الأخيرتين مرجّحاً للقراءة لتحصل له السلامة والخروج من عهدة هذا الخلاف وإن فاتته فضيلة التسبيح ؛ لما فيه من خطر الجهر والإخفات اللذين هما مظنّة البطلان والوقوع في محذور عدم القطع بصحّة الصلاة ، فهو في تردّد وحرج ؛ لعدم تيقّنه سلامة ذلك المنهج ) ، انتهى كلام خاتمة الحفّاظ المحدّثين الشيخ حسين في ( شرح المفاتيح ).
ولم يذكر دليلاً على تخيّر المنفرد لو سبّح إلّا أنه ذِكرٌ من الأذكار ، والأذكار يتخيّر فيها. ونحن نمنع كلّيّةً كبراه ، وسنده ما علمت ممّا قدّمناه وغيره ، ونطالبه بدليل كلّيّتها.
ثمّ أقول وبالله المستعان ـ : أمّا تخصيص إطلاقات تلك الأخبار وعموماتها بمن قرأ دون من سبّح فلا دليل عليه ، ولا ريب في أن المطلق والعامّ حجّة في جميع ما يتناوله من الأفراد. وإذا كان التسبيح بدلاً تخييريّاً من القراءة وقد ثبت وجوب الإخفات بأحد فردي الواجب التخييري ، ولم يظهر نصّ من الشارع على إخراج الفرد الثاني عن حكم مبدله ، وقد ثبت أن العبادات كيفيّات متلقّاة ظهر أن الشارع قد أحال حكمه على حكم بدله.
هذا إن سلّمنا عدم الدلالة على تساويهما في تلك الكيفيّة ، وقد سمعت الدلالة على ذلك. ولو قلنا : إنه لا دلالة فيما ذكرناه على ذلك ، لزم إهمال بيان كيفيّة التسبيح في غير الأُوليين ، مع إيجاب اتّباع الكيفيّة المتلقّاة في العبادات ، خصوصاً الصلاة ، مع أن الشارع بيّن كيفيّة جميع أجزائها واجباً ومندوباً ، فمحال أن يترك هذا الواجب ولم يبيّن وجوب الإخفات به أو الجهر أو التخيير. كيف يمكن أن يقال : لم يبيّن كيفيّته مع أنه بحسب الظاهر أفضل الفردين مطلقاً ، وهو قد استعمله البتّة ، والكيفيّة التي استعمله بها يجب اتّباعها ، ولا يجوز مفارقتها على حال ؛ لأن غيرها لم يأتِ من عند الله عزّ اسمه؟
وبيان كيفيّات الصلاة ممّا يعمّ به البلوى فلا يجوز إهماله في الشريعة ، والكيفيّة التي أتى بها الشارع فعلاً أو قولاً لا بدّ أن يتناقلها الشيعة جيلاً فجيلاً ، فدلّ هذا على أن الكيفيّة التي عليها عمل العصابة جيلاً فجيلاً ، المعروفة بينهم هي التي كان