للمخاطب وأوضح في شمول الحكم لكلّ من الأخيرتين ، وأكمل في التشبيه لتحقّق كمال المطابقة بين المشبّه والمشبّه به. ويجب حمل التشبيه على ظاهره من الإطلاق فيعمّ الكيفيّات المذكورة كلّها. وقد دلّت الأدلّة المذكورة على الإخفات في الأخيرتين مطلقاً ، خصوصاً الظهرين كما سمعت. فإذن العشاء مثلها لدلالته على المشابهة من كلّ وجه.
ولو سلّمنا عدم دلالته على الإخفات ، قلنا : الاحتمال كافٍ في منع الدلالة ، فكيف والاحتمال ظاهر؟ بل راجح مع الإغضاء عن كونه دالّاً على وجوب الإخفات ، فظهر بهذا سقوط ما وجّه به رحمهالله دلالته على الجهر ، والبيان ظاهر فلا نطيل بذكره.
وأمّا أن الذي حمل الموجبين للإخفات بالتسبيح اشتهاره بين الطائفة ، فالقائل بذلك إن كان يرى حجّية الشهرة خصوصاً إذا كانت بين المتقدّمين والمتأخّرين فقد قال بدليل ، وإلّا وجب أن يعتقد أنه لم يقل إلّا بدليل ظهرت له دلالته ، وإن لم تظهر لغيره ، وهذا تكليفه ولا نكير عليه بعد العلم بأنه من أهل الاستنباط. على أنك قد عرفت [ أن ] الدليل غير الشهرة.
وأمّا أن دليل ما اشتهر بين الطائفة قديماً وحديثاً هو كون التسبيح بدلاً عن القراءة ، والقراءة قد ثبت وجوب الإخفات بها ، فقد علمت أن الدليل غير منحصر في ذلك ، مع أن هذا دلالته تامّة ، فإنه إن أُريد بكون التسبيح بدلاً من القراءة أنه أحد فردي الواجب المخيّر ، كما هو الظاهر من عباراتهم ، ووجد الدليل على كيفيّة أحدهما ، فأمّا أن يظهر دليل على كيفيّة الآخر فتتبّع ، وإلّا حكم بتساويهما في ذلك ، وإلّا لزم التكليف بالمجهول قبل البيان ، وهو تكليف بما لا يطاق.
وإن أريد به أن القراءة أصل والتسبيح فرع كما فهمه الشيخ حسين رحمهالله ، وقد ثبتت كيفيّة الأصل بدليل ، ولم يثبت للفرع حكم يغاير الأصل بدليل وجب إلحاق الفرع بأصله ؛ لأن ما في الفرع من صفات الكمال إنما هي فرع صفات أصله وفاضلها ، كما أن الذات فاضل الذات ، فالفرع يحكي أصله ذاتاً وصفة ذاتيّة ، وإلّا لزم