فإن قلتَ : مراده رحمهالله أن التسبيح أصل للقراءة في الأخيرتين وإنما فرض الله القراءة في الأُوليين.
قلتُ : الأخيرتان من حيث هما فرض رسول الله صلىاللهعليهوآله : فرع بذاتهما على الأُوليين من حيث هما فرض الله ، فيكون الأصل فيهما ما هو الثابت في أصلهما ، ويشير إلى ذلك ما في صحيحة زرارة : من قول أبي جعفر عليهالسلام : والأخيرتان تبع الأُوليين (١).
فإن إطلاقه يشمل القراءة ، ولفظه نصّ في أن الأخيرتين فرع الأُوليين بحكم التبعيّة ، ولا شكّ أن ما فرضه رسول الله صلىاللهعليهوآله : فرع وتبع لما فرضه الله.
فأذن الأصل في الأخيرتين القراءة ، وهذا لا ينافي أن التسبيح فيهما أفضل ؛ لأن التسبيح للفرق بين ما فرضه الله وبين ما فرضه رسوله صلىاللهعليهوآله ، واستعمال ما يظهر به الفرق أفضل في العمل ؛ لأن الفرق مطلوب للشارع وإن كان ذات الحمد أصلاً لهذا التسبيح وأفضل منه ، كيف لا والفاتحة سرّ القرآن والجامعة لما تفرّق فيه وهي تسبيح وتحميد وتهليل وتكبير وزيادة كما يعلم ذلك من الأخبار (٢) ، وهي غير خفيّة على المتتبّع؟
وأمّا ما ادّعاه شهيد ( الذكرى ) (٣) من دلالة بعض العمومات عليه فقد سمعت جملة من ذلك ، ومنه ما جاء عنهم عليهمالسلام إن صلاة النهار عجماء وصلاة الليل جهر (٤) ، وأن السنّة في صلاة النهار بالإخفات وفي صلاة الليل بالجهر (٥) ، فإنه يعمّ التسبيح ، خرج ما خرج بدليل ، ولا فارق بين أخيرتي النهاريّة والليليّة ، ولا قائل بوجوب الجهر بالتسبيح ، ولا دليل عليه ، والمجوّز شاذّ ، على أنه لا يدفع هذه الدلالة.
ومن تلك العمومات أيضاً ذلك المرسل المشتهر بين الأُمّة ، واختصاصه بالقراءة
__________________
(١) الفقيه ١ : ٢٥٦ / ١١٦٠ ، وسائل الشيعة ٨ : ٣٥٥ ، أبواب صلاة الجماعة ، ب ٣١ ، ح ٣ ، وفيهما : « تبعاً » بدل : « تبع ». السرائر ١ : ٢١٩ ، و ٣ : ٥٨٥.
(٢) بحار الأنوار ٨٩ : ٢٢٣ ـ ٢٦١ / باب ٢٩.
(٣) الذكرى : ١٨٩ ( حجريّ ).
(٤) بحار الأنوار ٨٢ : ٢٠٢.
(٥) تهذيب الأحكام ٢ : ٢٨٩ / ١١٦١ ، الإستبصار ١ : ٣١٣ ـ ٣١٤ / ١١٦٥ ، وسائل الشيعة ٦ : ٧٧ ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب ٢٢ ، ح ٢ ، وفيهما جميعاً : « الإجهار » بدل : « الجهر ».